شبكة الأمة برس | لبنان اللبناني والعربي والدولي  


لبنان اللبناني والعربي والدولي  

 

في لبنان اليوم رئاسة وحكومة من عيار قوي بالنسبة إلى معظم التركيبة السياسية التي اعتادت العيش على الأزمات والصراعات، فرئيس الجمهورية جوزاف عون الذي قاد الجيش اللبناني في مرحلة بالغة الدقة والصعوبة بلا غطاء سياسي خلال الشغور الرئاسي تعهد أن يقود لبنان إلى الدولة والازدهار، ورئيس الحكومة نواف سلام الذي تمكن من تغيير النمط في تأليف الحكومة التزم الإصلاح في الداخل وإعادة لبنان إلى أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين بعد مرحلة من التمدد الإيراني المسلح والمصر على استراتيجية الخصومة للعرب والعداء لأميركا والغرب.

ولم يكُن ذلك من التوقعات قبل أن يصبح من الوقائع بفضل عاملين، أولهما بروز كتلة شعبية تاريخية بدأت المواجهة مع النافذين الذين أوصلوا لبنان إلى الحضيض السياسي والمالي والاقتصادي وما وصفه تقرير البنك الدولي في خريف عام 2024 بأنه "تفاقم الأعباء على بلد مأزوم تسبب الصراع فيه بأزمة جديدة للاقتصاد الذي يعاني أصلاً أزمة حادة"، وثانيهما تسارع التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة عبر حرب غزة ولبنان وسقوط النظام السوري وانحسار المد الإيراني.

ولا أحد يعرف إلى أية درجة يمكن رئيس الجمهورية الدفع نحو تنفيذ كثير من الوعود الأساسية والمهمة التي وردت في خطاب القسم، ولا إلى أي حد يستطيع رئيس حكومة "الإصلاح والإنقاذ" الذهاب على الطريق الصعب إلى التغيير الجذري في مواجهة حراس الأزمة. لكن الكل يعرف أن الرغبة والإرادة والقدرة في الداخل تحتاج إلى دعم كبير عربي ودولي، فلا حكومة ولا حل في لبنان خارج اتجاه الأحداث والتطورات في المنطقة، ولا كان من الممكن تحقيق ما تمناه الرئيس إلياس سركيس في سبعينيات القرن الـ 20 وحاوله مع القوى العربية والدولية، وهو فصل الأزمة في لبنان عن الأزمة في الشرق الأوسط، حتى عندما حاول مسؤول أميركي كبير ذلك اصطدم بالحواجز القوية.

ويروي وزير الخارجية الأميركي سابقاً جورج شولتز في مذكراته عن الأحداث في الثمانينيات أن الدكتور هنري كيسنجر "طلب مني عدم التركيز على لبنان والتركيز على أزمة الشرق الأوسط" بحجة أن الاهتمام بلبنان يعرقل عملية السلام في الصراع العربي- الإسرائيلي، فقلت له، "أنا لا أشتري هذا المنطق". لكن هذا المنطق هو الذي فرض نفسه، وبدلاً من حل الأزمة في لبنان ازداد ارتباطها بالأزمة الإقليمية واللعبة الدولية.

ليس هذا فحسب، بل إن اتفاقات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن إلى جانب "اتفاق أوسلو" مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم "اتفاقات أبراهام" مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أدخلت لبنان في مشكلة أكبر هي استخدامه كساحة ضد اتفاقات السلام وفرض الحرب باسم فلسطين ضمن الاستراتيجية الإيرانية.

ولم يعُد ممكناً إنقاذ لبنان من حرب أكبر منه مهما تكُن أحواله صعبة وأزماته عميقة. حتى النظرة التاريخية إلى الفارق بين حساب الحقل وحساب البيدر في العمل من أجل فلسطين منذ عام 1948 حتى اليوم، فإنها لم تبدل في المواقف، إذ ما جرت تجربته هو كل أنواع الحروب، الحروب الكلاسيكية العربية وحرب الكفاح المسلح عبر الفصائل الفلسطينية المسلحة من أرض الأردن ثم لبنان، وحرب "وحدة الساحات" على أيدي الفصائل الأيديولوجية المذهبية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك، لم يتم تحرير متر واحد من فلسطين، بل على العكس توسعت إسرائيل ولا تزال.

 والساعة دقت لأن يعود لبنان لدوره التاريخي مع الإجماع العربي وعلى الحياد عند الاختلاف، ولبناء الدولة بعد إغلاق "الساحة"، فلا أحد يبني دولة في ساحة صراع وحرب، ولا أحد يعيد إعمار ما تهدم في لبنان خلال الحرب الأخيرة التي انفرد بها "حزب الله" إذا بقي السلاح خارج الشرعية. وإذا كنا موعودين بولادة لبنان الجديد، فإن لبنان الذي هيمنت عليه إسرائيل ثم سوريا ثم إيران لم يمُت بعد. لكن من الوهم بالنسبة إلى أصحاب الطبعة الأخيرة من الهيمنة مواجهة التحولات الهائلة التي تحدد موقع لبنان ودوره إلى جانب سوريا وبقية الدول العربية في الصراع الجيوسياسي داخل المنطقة وعليها من جانب الدول الكبرى. فما اهتز لبنان إلا عندما انحرفت سياسته الخارجية عن الإجماع العربي. ولن يستقر قبل تنفيذ الوعد الرئاسي والحكومي بتطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً والانفتاح على العرب والعالم وإجراء الإصلاحات وتأكيد استقلالية القضاء.

يقول الفيلسوف الفرنسي جان بودربار، "كل شيء لا يزال هنا، فلا يكاد التاريخ ينفصل عن زمن الدورة حتى يسقط في نظام الحاجة إلى التدوير". لكن لبنان الذي تعب من تدوير التاريخ صار بحاجة إلى التحرك إلى الأمام وصنع الأحداث وسط التحولات السريعة الحالية.

 

*كاتب لبناني

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس- الاندبندنت عربية


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-5644.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2025-02-12 04:02:56