شبكة الأمة برس | وعود المعارضة البريطانية المستحيلة صعبة التصديق أكثر من وعود الحكومة


وعود المعارضة البريطانية المستحيلة صعبة التصديق أكثر من وعود الحكومة

قال زعيم حزب العمال البريطاني المعارض كير ستارمر يوم الخميس الماضي إن رد الفعل على بعض تعهداته كان "شهقة عميقة"، مرحباً بذلك لأن "ما من أحد يمكنه الشك في حجم طموحنا ولا في مدى أهميته".

لكنني أخشى أنه ربما أساء تفسير تلك الردود. فما يحاول هؤلاء الناس قوله ليس أن ذلك "سيكون صعباً للغاية، لكننا معجبون بتصميمك على الدفع بالنظام"، بل ما يقصدونه هو "هل فقدت عقلك"؟

في خطابه في مدينة ستوك، بدأ ستارمر في تحديد الأهداف التي تتمحور حولها بعض وعوده في شأن الجريمة من خلال إعطاء أرقام واضحة. وبرز من بينها هدفان على وجه الخصوص، وهما تعهده بتخفيض نسبة جرائم السكاكين إلى النصف [الاعتداءات التي تقع باستخدام السكين]، ونسبة العنف ضد النساء والفتيات إلى النصف.

من الطبيعي أن يرغب الجميع في حدوث ذلك، ولكن كيف يمكنك إحداث تغيير بهذه الضخامة في السلوك البشري؟ قال ستارمر عن جرائم السكاكين: "نحن نعلم أن جزءاً كبيراً من الحل يكمن في الوقاية، وانتشال الفتيان قبل أن يتورطوا أكثر. ويتعلق الأمر بالعمل التطوعي الشبابي، وحفظ الأمن في الأحياء، وتقديم الدعم النفسي، في كل مدرسة. ونحن سنعمل على تنفيذ كل هذه النقاط".

هذا مثير للإعجاب، لكنه سيكلف أموالاً كثيرة، الأمر الذي لم يتناوله ستارمر في خطابه، وعندما سئل عن الكلفة المالية لاحقاً، أشار إلى "الوفورات الناتجة من تحسن الكفاءة".

في ما يتعلق بالعنف ضد المرأة، بالكاد تكلم عن "الخطوة الأولى"، وهي "تحديث الشرطة" وأشار إلى أنه "لا يمكنك دحر كراهية النساء من دون وجود شرطة قوية، ولكن لا يمكنك أن تحظى بشرطة قوية من دون دحر كراهية النساء". بيد أن هذه الكلمات هي مجرد مأثورات وخطابات، وليست سياسة يمكن اعتمادها.

وإذا بحثت عن سياسة الحزب، فلديه واحدة في هذا الخصوص. نشرت "ورقة خضراء" [وثيقة تشاور] بعنوان "إنهاء العنف ضد النساء والفتيات" Ending Violence Against Women and Girls، في عام 2021. بدأت بالعبارة الاستهلالية الآتية: "بعد عقد من نقص التمويل..." ثم أعطت وعوداً بإدراج مخالفات جديدة وحد أدنى للعقوبات، وتوفير مزيد من الدعم للنساء المعرضات للخطر، وتعليم أفضل، ووحدات متخصصة إضافية، وذكرت شيئاً عن الإنترنت. ويبدو أن كل هذه الخطوات سيتم تمويلها من "الوفورات الناتجة من تحسن الكفاءة".

أما بالنسبة إلى "خفض مستوى العنف إلى النصف"، فكيف سيتم قياس ذلك؟ وما الفترة الزمنية لتحقيقه؟ وعلى أي أساس تم تحديد الهدف؟ وهل تحقق أي هدف من هذا القبيل في أي مكان آخر في العالم؟ وما الطريقة التي استخدمت في تحقيقه؟ كلها أسئلة بديهية، ولكن من دون أجوبة.

على ما يبدو أن الأمور لم تجر كما يجب خلال استعداد ستارمر لخوض المعركة الانتخابية. لقد بدأ بشكل جيد العام الماضي، إذ طرح مقترحات متواضعة تمولها مصادر إيرادات جديدة موثوقة. إلغاء وضع "غير المقيمين ضريبياً" مثلاً [الأفراد الذين يقيمون في دولة ما لكنهم يتبعون ضريبياً لدولة أخرى] من أجل تمويل الخطة التي وضعها ويس ستريتينغ [وزير الصحة في حكومة الظل] المتعلقة بالقوى العاملة في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS. وعلى نحو مشابه، فرضت ضريبة القيمة المضافة VAT على الرسوم المدرسية من أجل تمويل نوادي الفطور للمدارس الابتدائية.

في الواقع، افترضت أنهم سيواصلون اتخاذ إجراءات إضافية من هذا النوع، تسهم في بناء برنامج من التحسينات التدرجية التي تجسد الطموحات الأكبر لحكومة حزب العمال، برنامج يكون محدد الكلفة، وقادراً على الصمود في وجه الأزمات وقابلاً للتصديق.

لكن وعوضاً عن ذلك، ألقى ستارمر في الشهر الماضي خطاباً فظيعاً حول "المهام"، وحدد لنفسه هدفاً غير واقعي يراهن فيه على تراجع الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وكندا. وكانت أولى مهامه تتمثل في "ضمان أعلى نمو مستدام في مجموعة الدول السبع". بقفزة واحدة هذيانية، انتقل من نوادي الفطور إلى مواجهة القوانين التاريخية للاقتصاد.

وفي الخطاب ذاته، كرر ستارمر وعد حزب العمال بتوليد كامل الطاقة الكهربائية التي تحتاج إليها الأمة من مصادر طاقة صديقة للبيئة بحلول عام 2030. وفي الحقيقة، ليس هناك أي شخص لديه معرفة ومعلومات في مجال الطاقة، يعتقد أن هذا ممكن. وعلى رغم ذلك، تحديداً في الوقت الذي وجد فيه الحزب نفسه متقدماً بشكل غير متوقع في استطلاعات الرأي، وبدأ بتحضير نفسه لتولي الحكومة من خلال طرح أسئلة استقصائية وعميقة حول السياسات القليلة التي يمتلكها، اختار ستارمر أن يؤكد من جديد وعداً مستحيلاً، ولم يكتف بذلك، بل راهن أيضاً على مؤشرات اقتصادية تابعة لدول أخرى لا يستطيع التحكم بها.

والآن، بعد مرور شهر، ارتكب مزيداً من الأخطاء عندما قطع وعوداً بالحد من جرائم السكاكين والعنف ضد المرأة، من دون موارد جديدة لتمويلها باستثناء "الوفورات الناتجة من تحسن الكفاءة" الخيالية.

وعلى سبيل المقارنة، فالطابع الغيبي المفاجئ للوعود التي قطعها حزب العمال يجعل وعد ريشي سوناك المستحيل يبدو سهلاً. حينما أعلن رئيس الوزراء وعوده الخمسة في بداية العام، كانت بمعظمها موضع سخرية باعتبارها تنبؤات بأمور قد تحدث في جميع الأحوال (على غرار هبوط مستويات التضخم إلى النصف، وانخفاض الديون، ونمو الاقتصاد). وكان هناك بعض الشكوك حول التعهد بتقليص قوائم الانتظار التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، ولكن في الأقل هذا وعد مألوف، قطع (وتحقق) من قبل.

الوعد الصعب كان التعهد بإيقاف القوارب الصغيرة. وقد تحسر بعض معجبي سوناك على ذلك وتساءلوا لماذا قطع وعداً لا يمكن تحقيقه؟ لماذا أعطى أهمية كبيرة لوعد كان يعرف أنه لا يستطيع الوفاء به؟ بذلك، فإن كل ما فعله هو رفع الكلفة المترتبة على الفشل وزيادة صعوبة رفض طلب سويلا برافرمان [وزيرة الداخلية] بأن يتضمن البيان الانتخابي وعداً بالانسحاب من "الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان".

الإجابة الوحيدة التي يمكنني الحصول عليها من المدافعين عن رئيس الوزراء، أولئك المستعدين للاعتراف بأن الوقوف على منبر مع شعار "أوقفوا القوارب" سيجلب المتاعب، هو أن سوناك سيستحق الثناء لأنه حاول في الأقل. وإذا تم اعتراض مزيد من الزوارق على الشواطئ الفرنسية، وإذا بدأ العمل على معالجة طلبات اللجوء المتكدسة، وإذا عاود ارتفاع عدد المرحلين من طالبي اللجوء المرفوضين من جديد، عندئذ، سيحظى سوناك بفرصة لإقناع بعض الناخبين بأنه يبلي بلاء أفضل بكثير مما قد تبليه حكومة ستارمر.

لكن، في المقابل، لن يصوت أحد لحزب العمال في المرة المقبلة من منطلق امتنانه لستارمر لأنه رغب في تحقيق أعلى نمو في مجموعة الدول السبع أو لأنه أراد خفض العنف ضد المرأة إلى النصف. إذا كان الوعد المستحيل الذي قطعه سوناك قد ينم عن خبث، فما الذي يمكن قوله عن الوعود التي قطعها ستارمر؟

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-4214.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 11:03:07