شبكة الأمة برس | إسرائيل بعد "بزوغ الفجر".. بين "اللبننة" والانفصال عن الفلسطينيين


إسرائيل بعد "بزوغ الفجر".. بين "اللبننة" والانفصال عن الفلسطينيين

إن استنفاد الإنجازات المثيرة للعملية في قطاع غزة، يقتضي الاستمرار في سياسة أخذ المبادرة في قطاع غزة وفي ساحات أخرى. يمكن إحداث التغيير عن طريقها، من واقع المواجهة المستمرة إلى الاستقرار وإلى تسويات في المستقبل، لأن مقاربة رد الفعل ستعيد المبادرة إلى يد المتطرفين. منحى الضم الزاحف في ظل غياب أكثرية يهودية ثابتة بين النهر والبحر، يهدد الطابع اليهودي – الوطني للدولة ويخلد المواجهة بين الشعبين. كل ذلك يعرض حلم الصهيونية للخطر. إسرائيل الآن أقوى من أي وقت مضى أمام جميع التحديات. وبناء على ذلك، فإن هذا هو الوقت المناسب لفحص بدائل. عند دخول رئيس أركان آخر له تجربة إلى الساحة السياسية، نرغب في لفت الأنظار إلى أن الحلول العسكرية مهما كانت ناجحة، إلا أنها ليست الحلول الوحيدة.

في عملية “بزوغ الفجر” ظهرت أفضليات اتخاذ المبادرة من جهتين. فعلى الصعيد العسكري العملياتي، فإن اتخاذ المبادرة أخرج العدو عن توازنه، ولم يستيقظ طوال أيام القتال، هذا إلى أهمية إبقاء حماس خارج جولة القتال، بفضل مبادرة مدنية وتسهيلات منحها جهاز الأمن لسكان القطاع بمصادقة المستوى السياسي، على رأسها إعطاء آلاف تصاريح العمل في إسرائيل، الذي لم يسمح لحماس بتجاهل رد السكان على احتمالية فقدان هذه التصاريح.

الآن، بعد انتهاء العملية السريعة والناجحة، من الجدير عدم التخلي عن أفضليات المبادرة وبلورة سلسلة خطوات قد تغير الظروف في الساحة ومنع سلسلة جولات قتال وتقليص الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتوصل إلى إنهاء النزاع في المستقبل.

كخطوة أولى، وحتى قبل أن تبرد المحركات، يجب على إسرائيل محاولة تجنيد الدول المعتدلة في المنطقة، مصر والأردن، طليعتا اتفاقات السلام والشريكتان الاستراتيجيتان في السياقات الأمنية من الجنوب والشرق، وإلى جانبها دول “اتفاقات إبراهيم” ودول أخرى، تجنيدها لعملية شاملة لتغيير جذري في نوعية حياة الـ 2 مليون نسمة في غزة وتحسين الواقع في الضفة.

ظروف الحياة غير المحتملة في القطاع تزرع بذور الاضطرابات القادمة. يمكن التوصل إلى تعاون إقليمي ودولي يشمل توزيع المسؤوليات والمهمات فقط بمبادرة من حكومة إسرائيل. رغم التحديات الدولية، من المرجح تحصل هذه المبادرة على دعم فعال من قبل الإدارة الأمريكية. يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل معاً بلورة تحالف قوي، الذي سيضخ مساعدة ويسهم في تطوير مشاريع في مجال المياه والكهرباء والرفاه والصحة والتشغيل، الحيوية لسكان القطاع.

تكمن احتمالية كبح التنظيمات الإرهابية في الدمج بين تدخل تحالف إقليمي ودولي قوي وتحسين حياة السكان في القطاع بحيث يخافون من فقدان كل ما تم تحقيقه عقب مغامرة أمنية لحماس أو الجهاد أو أي عامل آخر للإرهاب. وإذا تبين بأن هذا ليس بكاف، فالقيام بهذه الخطوة وتجسيد مصداقية إسرائيل بالرغبة في التوصل إلى تحسين الوضع في القطاع، سيضمن لها دعماً إقليمياً ودولياً واسعاً إذا اضطرت إلى استخدام القوة ثانية.

عدم الاستقرار في أرجاء يهودا والسامرة يشكل تذكاراً لضعف السلطة الفلسطينية وهشاشة التعاون الأمني معها، هذا التعاون الذي حظي بالثناء من جهاز الأمن على إسهامه في مكافحة الإرهاب وإنقاذ حياة الإسرائيليين. في الحقيقة، ساهم سلوك السلطة في وضعها البائس. ولكن إسرائيل بسياستها في العقد الأخير، وحتى قبل ذلك، تتحمل جزءاً غير قليل من المسؤولية عن ضعف قدرة السلطة على السيطرة وفقدان سيطرتها على مناطق واسعة.

تغيير هذا الاتجاه مصلحة أمنية وسياسية بارزة لإسرائيل. من هنا تأتي أهمية التجند وتسخير التحالف الإقليمي – الدولي لمبادرة إعادة ترميم وتعزيز السلطة. يحتاج هذا الجهد إلى الابتعاد عن شعارات مثل “تقليص النزاع” وتضمين خطوات اقتصادية مدنية وسياسية، وبالطبع إلى جانب استمرار النشاطات الأمنية المطلوبة، ولكن من خلال ملاءمتها مع مهمة تعزيز السلطة.

مع ذلك، يجب عدم الغرق في الأوهام. فحتى مبادرة كبح التنظيمات الإرهابية وتحسين حياة السكان المدنيين في القطاع والنجاح في جهود تعزيز السلطة، لن تعفي من مواجهة الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة ثنائية القومية، وبعد ذلك ذات طابع عربي، بين النهر والبحر. هذا لم يعد نبوءة غضب. المعادلة بسيطة: إذا لم نقم بمبادرة، وإذا سلمنا بمواجهة دائمة ومرصوفة بجولات قتال متواصلة، فنحن نضمن بأن المجموعتين السكانيتين التي كل واحدة منها تضم الملايين، سيتواصلون فيما بينهم بالسلاح فقط. ولم يكن هو هذا المستقبل الذي وعدنا به أنفسنا والأجيال القادمة. لبننة إسرائيل ليست تجسيداً لحلم الصهيونية.

الانفصال عن الفلسطينيين هو الاحتمالية الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة قوية مع طابع يهودي وطني وديمقراطي لأجيال. علينا العيش إلى جانب الفلسطينيين وليس معهم، في حين تكون بيننا حدود واضحة. قوتنا في مبادرتنا: على إسرائيل القيام بمبادرة للانفصال عن الفلسطينيين مع استمرار السيطرة الأمنية كما هي الآن، إلى أن يأتي الاتفاق. شعار “إدارة النزاع” وهمي. فالنزاع تحت أجنحته هو الذي يقودنا إلى واقع مواجهة بدون أي هدف.

 

بقلم: غادي شمني ونيتسان ألون ومتان فلنائي

هآرتس 16/8/2022

 


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-3725.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-25 08:04:42