شبكة الأمة برس | من يدير حكومة تصريف الأعمال عندما يكون الموكل إليهم بذلك في إجازة؟


من يدير حكومة تصريف الأعمال عندما يكون الموكل إليهم بذلك في إجازة؟

ما هو الاسم الذي ستطلقه على بلد لديه حكومة لتصريف الأعمال، في الوقت الذي يذهب أولئك الموكل إليهم بتلك المهمة في إجازة وسط أزمة اقتصادية داخلية وحرب تخاض على أرض القارة الأوربية؟

لماذا، إنها المملكة المتحدة بالطبع! يبدو أن بوريس جونسون كان محقاً عندما قال إن هذا ليس الوقت المناسب لخوض انتخابات قيادة الحزب الطويلة والمشتتة للانتباه. لا شك في أن هذا هو الثمن الذي دفعته البلاد عندما انهارت حكومته بسبب أخطائه، بالتالي لا يمكنه التنصل من المسؤولية. مع ذلك، فإن هذا يثبت أن بريطانيا تنجرف نحو ركود اقتصادي وصراع وجودي من أجل البقاء بالنسبة إلى الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، فالأسر التي بحسب التعبير الشهير لتيريزا ماي (رئيسة الوزراء السابقة) كانت بالكاد تتدبر أمورها بين عامي 2018 أو 2019، تواجه الآن ضغطاً  غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية في ما يتعلق بمستويات المعيشة، والمتمثل في ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، وفواتير الطاقة، وضريبة المجالس المحلية، والضرائب والضمان الاجتماعي الوطني، وكذلك ارتفاع بدلات الإيجارات والرهون العقارية.

يزداد الوضع سوءاً وهو ما يتطلب وجود قيادة، لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال يبدو هانئ البال، وهو يستمتع الآن بشهر عسل ثانٍ، فيما يقضي وزير خزانة تصريف الأعمال ناظم الزهاوي هو الآخر عطلته خارج البلاد. أما نائب رئيس الوزراء دومينيك راب، فهو لا يكاد يلتقط أنفاسه لكثرة انشغاله في العمل للوزير السابق للخزانة ريشي سوناك في حملته لرئاسة الحزب. في الوقت نفسه تجول وزيرة خارجية تصريف الأعمال (ليز تراس) في أرجاء البلاد، وفي جعبتها سلسلة من الوعود المستحيلة التي تطلقها جزافاً (للفوز بقيادة الحزب)، وسياسة رديئة تفتقر إلى التخطيط السليم. في حين أن وزير الخزانة المستقبلي المحتمل كواسي كوارتينغ، لا يعرف مكان وجود بوريس جونسون (ولا يسعنا إلا أن نأمل أن تكون زوجته كاري جونسون على علم بذلك). كل ما تقدم يشي بأن الوضع ليس بمثالي.

في المقابل، لن يكون هنالك رئيس وزراء جديد قبل مضي شهر آخر، وبطبيعة الحال بقية الوزراء الجدد الذين سيعينهم رئيس الوزراء المنتخب، في وقت تتراكم فيه المشكلات. وعلى عكس بعض التوقعات، فإن مجيء رئيس وزراء جديد سوف يعني أيضاً تغيير السياسة في عدد من المجالات الرئيسية، وبشكل جذري أكبر في حال فوز ليز تروس. فحكومة قوية ومستقرة، إذا ما استعرنا مرة أخرى من كتاب تيريزا ماي الكبير للشعارات المحكوم عليها بالفشل، ستكون بتكلفة عالية جداً.

قد يكون من الصعب العثور على سوابق مشجعة لمثل هذا التقصير الجماعي في أداء الواجب. ومن المفارقات العجيبة، أن الانتخابات الأخيرة لقيادة حزب "المحافظين" في العام 2019 التي أسفرت عن فوز جونسون، كانت بمثابة مثالٍ آخر على الأنانية، لأن الوقت الحيوي الذي كان يجب استغلاله لتعزيز التفاوض والإعداد الجيد للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، قد تم هدره على الجولات التنافسية العقيمة بين جونسون وجيريمي هانت.

خلال الفترات الأكثر ازدهاراً التي شهدتها البلاد من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، ربما لكان من الممكن السماح ببعض من التسلية خلال مشاهدة منحى التطورات للخلافات المعتادة بين القوى السياسية، عندما يكون رئيس الوزراء غائباً أو متوعكاً. إن وسائل الاتصال الحديثة تعني بالطبع أن رؤساء الوزراء قادرون على مواكبة الأحداث حتى عندما يكونون في الجانب الآخر من العالم، كما كانت الحال منذ عقود من الزمن - شرط أن يكون ما زال لديهم الاهتمام الكافي والرغبة بإتمام واجباتهم. مارغريت تاتشر (رئيسة الوزراء الراحلة) كانت لا ترضى ألا تكون لديها سيطرة تامة على مقاليد الأمور. ولم تأبه كثيراً بتمضية العطلات.

بعض آخر من رؤساء الحكومات استرسلوا في السابق لـ "الاسترخاء"، على حد تعبير ديفيد كاميرون (رئيس الوزراء الأسبق). فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك أمور شديدة الأهمية لم يكن طوني بلير (رئيس الوزراء الأسبق) على علم بها، حتى لو كان مسترخياً في توسكانا، أو متسكعاً في مخابئ منطقة البحر الكاريبي التي يمتلكها كليف ريتشارد (مغنٍ إنجليزي يحمل الجنسية البريطانية وجنسية باربادوس)، وريتشارد برانسون (ملياردير بريطاني مؤسس مجموعة "فيرجين" ونحو 400 شركة أخرى)، لكن كان من الممتع رؤية نائبه جون بريسكوت، ووزير خارجيته بيتر مانديلسون، ووزير خزانته غوردون براون، وهم يحاولون إظهار من هو الذي يتولى المسؤولية خلال فترة غيابه. ولإضافة نكهة من المرح، رأينا بريسكوت متوجهاً حتى إلى شاطئ البحر لإطلاق تسمية "بيتر" على سلطعون. لكن على الأقل كانت لدى موظفي الخدمة المدنية مجموعة من الشخصيات القوية التي يلجؤون إليها إذا ما كانوا في حاجة لاتخاذ قرار ما، ولا يريدون إزعاج رئيس الوزراء. وهذه أمور لم نعد نراها الآن للأسف.

لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية نادراً ما عانت من مثل هذا التراخي والكسل، ففي مطلع خمسينيات القرن الماضي، تعرض ونستون تشرشل - الذي كان قد اقترب من عامه الـ80 وفي قمة تألقه كرئيس للوزراء لسلسلة من السكتات الدماغية التي لم يعلم بها الرأي العام. لكن نائبه أنطوني إيدن واسع الخبرة تسلم زمام الأمور بسلاسة، كما كانت تجري العادة. لكن في إحدى المرات، تعرض إيدن هو الآخر لوعكة صحية أدخلته المستشفى، نتيجة معاناته المستمرة من آلام المرارة، فتولى الحكومة حينها وزير الخزانة ريتشارد أوستن باتلر. في ذلك الوقت، كان هنالك بعض التوتر الدولي، وكانت البلاد تخرج من مرحلة التقشف التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من ذلك، لم يحدث أي ضرر أثناء سد الفجوة التي تركها تشرشل خلال غيابه قبل أن يعود إلى تولي السلطة. أما الآن فتبدو الأمور أشد صعوبة وتعقيداً، ويعاني جزء كبير من البلاد ضائقة مالية خانقة.

وهذا ما سيدفع بكثير من الناخبين البريطانيين إلى التساؤل لماذا يتعين عليهم الانتظار لمدة شهر آخر قبل الحصول على بعض من المساعدة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-3714.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-19 02:04:11