شبكة الأمة برس | خطر الغالبية في العالم العربي والمغاربي


خطر الغالبية في العالم العربي والمغاربي

سلطة الغالبيات في العالم العربي وشمال أفريقيا مخيفة، لماذا الغالبيات السياسية والدينية والعرقية مخيفة ومهددة للأمن وللحرية الفردية والجماعية وللتقدم والاجتهاد وللتعايش السلمي؟

تخيفني سلطة الغالبية السياسية والدينية والعرقية واللغوية في مجتمع مختل التوازن، وغير صحي ثقافياً وتربوياً وحتى أخلاقياً.

تخيفني سلطة الغالبية السياسية والدينية والعرقية واللغوية في مجتمعاتنا لأن المنتصر فيها يقيم حكمه وإدارته للشأن العام على أيديولوجيا "الفروسية" و"القبلية" و"العروشية" و"الوطنية" الشوفينية و"الدين" كما يفهمه هو وتمليه مصالحه وتحالفاته.

سلطة الغالبية في العالم العربي والمغاربي تقوم على التهميش لا على الشراكة مع مكونات المجتمع الفسيفسائية.

على الغالبية السياسية العربية والمغاربية أن تفهم أن الغالبية ليست "الغالب" بل "الخادم"، المسؤول عن حماية حرية الآخرين الذين لم يحققوا الغالبية في هذه المرة، ولكن قد يحققونها في المرة المقبلة أو المرات المقبلة.

الغالبية السياسية هي الطريق إلى التداول على السلطة وليست الإقامة فيها على الدوام، الغالبية ليست مرادفاً للخلافة.

كي تكون الغالبية السياسية قوة اجتماعية وثقافية متماهية مع التاريخ، أي في الاتجاه الصحيح والإيجابي، يجب أن تتوافر لذلك جملة من الشروط الأساسية الثقافية والفلسفية والتربوية والجمالية وإلا تحوّلت، هذه الغالبية، إلى "ديكتاتورية" شرسة تعتقد أنها مشروعة ومخوّل لها القيام بكل شيء بما فيه قمع الآخرين باسم سلطة الصندوق.

الصندوق الذي جاء بالغالبية العربية والمغاربية، إلى الآن وحتى إشعار آخر، هو أكبر كذبة في مجتمعاتنا العربية والمغاربية، كذبة سياسية بأصباغ الديمقراطية كقيمة ثقافية حضارية معاصرة.

"الصندوق" فخ عربي ومغاربي بامتياز، لا لأنه نتاج التزوير، فالتزوير ممارسة عريقة حاضرة منذ أن وجدت كذبة الانتخابات، ولكن لأنه نتاج ثقافة "القطيع" والطاعة وشراء الذمم.

الغالبية السياسية على جميع المستويات، من البلدية إلى الرئاسيات مروراً بالبرلمانات، تفرزها نتائج صناديق هي نتاج العقلية "القبلية" تارة والدين السياسي تارة أخرى و"العروشية" ثالثاً.

الغالبية السياسية، في مجملها، هي إما غالبية ناتجة من شعبوية الدين السياسي وما يثيره من تخويف وترهيب وتكفير أو الردع العسكرياتي.

إن الغالبية السياسية في مجتمع يؤمن بالراقي قبل الطبيب النفساني، في مجتمع يكون فيه المواطن مستعداً للانتحار وتفجير نفسه جراء خطاب داعية يعيش في النعيم ويحدّث العامة عن كيف يمضي الميت وقته في انتظار يوم القيامة، مع جيرانه الموتى والأحياء والشياطين والملائكة؟؟؟ يكون مستعداً لتفجير نفسه من أجل "حوريات" يملأ بها الداعية رأسه.

هذه الجموع الشعبية التي تنتخب، وهي تقتات على هذا الفكر الخرافي، والتي تنتج سلطة الغالبية وتعطيها الشرعية، لا يمكنها إلا أن تمثل خطراً على مستقبل البلد وحياة المواطن وسلامة عقله.

الغالبية التي تؤمن بأن صوت المرأة عورة، وأنها كائن خلق للمطبخ والسرير والإنجاب وما خرج منه عن ذلك هو انتهاك لأمر السماء، هذه غالبية مخيفة وتمثل تهديداً صريحاً لمستقبل الإنسان ومستقبل العقل.

الغالبية السياسية التي تتغذى على كتابات وخطب خرافية لبعض الدعاة الذين حوّلوا الإسلام إلى دين للكراهية، إذ المسيحي في عيونهم "آكل خنزير" واليهودي "ملعون" و"العلماني" زنديق و"الشيوعي" ملحد... هذه الغالبية، طال حكمها أو قصر، توصل البلد إلى الفتنة وترمي به في مستنقع ثقافة الكراهية وتصنع من المواطن قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت. هذه الغالبية السياسية ستدفع لا محالة البلد إلى عزلة جهوية وعالمية مخيفة وقاسية بنتائج خطيرة.

الممارسة التدميرية التي تمثلها الغالبية السياسية العربية والمغاربية تكون شمولية وكارثية في البلد الذي لا يقرأ فيه مواطنوه الكتاب الثقافي الإبداعي الجيد المحلي والعالمي.

الغالبية السياسية العربية والمغاربية تتولى السلطة اعتماداً على أصوات القطيع الذي تشكّل على معاداة الثقافة الحرة والمُحَرِّرة، قطيع يؤمن بأن الموسيقى "حرام" و"الرقص" حرام و"الفرح" معصية.

أول عدو للغالبية هو الثقافة، فأولى حروبها الشرسة تكون ضد الثقافة، ضد المسرح، ضد السينما، ضد الفن التشكيلي، ضد الموسيقى، ضد الكتاب الأنواري، ضد كل فكر يدافع عن الاختلاف ويكرس التعدد.

 البلد الذي مواطنه لا يقرأ الرواية ولا يسمع الشعر ولا يشاهد المسرحية ولا الفيلم السينمائي ولا يستمتع بالموسيقى العالمية الراقية، هو بلد بالضرورة يفرز غالبية سياسية متوحشة تدفع إلى الهلاك والاحتراق.

الغالبية السياسية العربية والمغاربية هي نتاج مجتمع خالٍ من الفعل الثقافي الجاد، مجتمع لا يدافع فيه المواطن عن قيمة المواطنة قبل أية أيديولوجيا أخرى.

كلما تحوّلت مكتبة في شارع من شوارع مدينة عربية أو مغاربية إلى مطعم أو محل لبيع الملابس الداخلية، فاعلم بأن طريقاً جديداً قد عُبّد لوصول غالبية سياسية خطيرة على مستقبل البلاد والعباد.

كلما أغلقت قاعة عرض سينمائي في قرية أو في مدينة وسكنت الجرذان فضاءها، وعشعش العنكبوت على كراسيها، فاعلم بأن سبيلاً جديداً قد فُتح لاعتلاء غالبية تدميرية سياسية أمر البلد والمدينة والحي.

كلما عُمِيَت الأنظار عن مشاهدة اللوحة الفنية وصُمَّت الأذن عن الاستمتاع بسمفونية راقية إلا وسمعت سنابك خيول لغالبية السياسية المتطرفة والتدميرية قادمة لانتهاك حرمة البلد وتهميش طاقاته وتدمير ثرواته الطبيعة.

ولأن المدرسة في البلدان العربية والمغاربية عرضة لانتهاكات الدجل والشعبوية السياسية والدينية، فالكتب المدرسية طريق أبيض وسالك لوصول الغالبية التدميرية إلى السلطة وبسهولة.

في تاريخنا الإسلامي، الغالبية أحرقت كتب ابن رشد، والغالبية صفقت لإعدام الحلاج، والغالبية اليوم تحتفل بعودة "طالبان".

الغالبية التي لا تحترم ولا تدافع عن الأقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية هي عبارة عن ديكتاتورية "الحلال"، ديكتاتورية "شرعية" و"مشروعة".

 ولأن حالنا بهذا الخواء السياسي والديني والثقافي والفكري واللغوي، وبهذا "الخوف" و"الترهيب" القائم على المرأة بشكل خاص، فإن مجتمعاتنا العربية والمغاربية مستعدة أن تنتخب "الإخوان" وتنتخب "إلفيس" ومستعدة أن تنتخب "داعش" أيضاً.

الغالبية العربية والمغاربية تؤمن بالديمقراطية شعاراً يوصلها إلى السلطة ولكنها لا تؤمن بها كوسيلة للدفاع عن التعدد الديني والثقافي واللغوي، لا تؤمن بها كوسيلة لحماية وترقية المواطنة والحريات الفردية والجماعية كطريق للتداول على السلطة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-3552.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-20 09:04:39