شبكة الأمة برس | اعتدوا على جثمان أبو عاقلة وقتلوا الشريف وقالوا "تعثر".. احتلال وإهانة


اعتدوا على جثمان أبو عاقلة وقتلوا الشريف وقالوا "تعثر".. احتلال وإهانة

شرطة يرتدون الأسود ويعتمرون الخوذ ومحصنون، ينقضون بعصيّهم على أشخاص يحملون تابوتاً، يضربونهم بالأرجل إلى درجة أن التابوت كاد يقع على الأرض. هذا ما شاهده معظم الناس في العالم، وهذا ما يتذكره معظم الناس في العالم من جنازة المراسلة شيرين أبو عاقلة الجمعة في القدس.

أصوات كثيرة في إسرائيل تقول مؤخراً بأن الأمر يتعلق بمشكلة إعلامية تكاد تصل حافة الكارثة التي لحقت بصورة إسرائيل، لكن الفشل الحقيقي هو عنف الشرطة غير المبرر، وليس الطريقة التي تعرض فيها أو تُرى في العالم. يدور الحديث عن تعبير من أكثر التعبيرات المرئية تطرفاً عن احتلال الفلسطينيين وإهانتهم. صحافية كبيرة ومعروفة جداً في العالم العربي، عملت عشرات السنين في تغطية عنف ومظالم الاحتلال الإسرائيلي، قُتلت بنار الجنود الإسرائيليين، على الأقل هم الذين يعتبرون المشبوهين الأساسيين بذلك. وتحولت بموتها إلى رمز فلسطيني، وكانت وجنازتها حدثاً وطنياً. في هذه الأثناء، وفي ذروة العزاء، جاء رجال الشرطة مع العصي.

نشرت الشرطة فيلماً يظهر فيه اثنان من الشباب وهما يلقيان زجاجات مياه على رجال الشرطة قبل الانقضاض، ولكنها حجة ضعيفة جداً لمثل هذا السلوك في حدث كان يمكن أن يجري بحساسية مفرطة. أمس، أمر المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، بالتحقيق في سلوك رجال الشرطة أثناء الجنازة. تنضم حادثة التابوت إلى سلسلة حالات تطرف فيها رجال الشرطة والضباط بصورة غير مقبولة، أدت إلى اشتداد الوضع وتعميق الإهانة.

في يوم موت أبو عاقلة وصل رجال شرطة إلى عائلتها التي تعيش حالة العزاء، وطلبوا إزالة الأعلام التي تم تعليقها في المكان، وإخلاء الشارع وخفض صوت الموسيقى. أول أمس، بعد فترة قصيرة على الجنازة، وثق رجال شرطة وهم ينزعون أعلاماً فلسطينية عن السيارات. يبدو أننا لن نعرف ما الذي فكر فيه الضباط الذين أمروا رجال الشرطة بالذهاب إلى البيت وإزالة الأعلام، وكيف سيكون رد العائلة والمشاركين في الجنازة الذين يعيشون حالة حداد؟

إذا لم يكن هذا كافياً، توفي صباح أمس في مستشفى هداسا عين كارم وليد الشريف، وهو الشاب الفلسطيني الذي رشق حجارة على رجال الشرطة في الحرم قبل ثلاثة أسابيع وأصيب إصابة بالغة في رأسه. قالت الشرطة إن الإصابة سببها السقوط، لكنها لم تقدم أي دليل على ذلك. من الصعب تصديق أن الشاب (21 سنة) سيموت من سقوطه على رأسه بالضبط في اللحظة التي أطلقت عليه فيها رصاصة مطاطية، في مصادفة سحرية للأحداث. تحول الشريف بموته إلى “شهيد الأقصى”، القتيل الأول في الحرم منذ 2017. بعد ذلك كان هناك المخربان المسلحان اللذان قتلا في الحرم بعد قتل شرطيين في حادثة لإطلاق النار. هذه المرة يدور الحديث عن شاب رشق الحجارة. بالنسبة للفلسطينيين، تعد هذه حادثة خطيرة جداً.

لا تكمن المشكلة في الطريقة التي يرى فيها الفلسطينيون موته أو في الخوف من أن يؤدي موته أو جنازته إلى موجة عنف جديدة في القدس والضفة، بل تكمن في موته بالأساس. الشعار الذي يقول بأن الحجر قد يقتل قد يكون صحيحاً عندما يدور الحديث عن حجر يلقى على سيارة غير محصنة في شارع سريع، لكن احتمالية موت شرطي يرتدي خوذة وسترة واقية بسبب حجر هي احتمالية ضعيفة جداً. لم تكن حياة رجال الشرطة معرضة للخطر، وإطلاق النار على الجزء العلوي لجسد الشريف كان غير مبرر، ومخالفاً للتعليمات.

أصيب الشريف برصاصة سوداء مغلفة بالمطاط، الرصاصة بقطر 40 ملم تستهدف التسبب بألم شديد وهي تستخدم كسلاح غير قاتل للشرطة. ولكن منذ العام 2014 استبدل الرصاص الأزرق الخفيف برصاص أسود ثقيل، وهناك الكثير من حالات الإصابة الشديدة وحتى القاتلة نتيجة لاستخدام الرصاص المغلف بالمطاط. في شرقي القدس هناك عشرات الشباب والأطفال والشيوخ الذين يعانون من إصابات خطيرة، وبعضهم فقد عينه وبعضهم فقد النظر تماماً نتيجة إطلاق الرصاص المغلف بالمطاط. على الأقل في حالة واحدة قبل الشريف، قتل الفتى محمد سنقرط، الذي أصابته رصاصة كهذه في الحنك.

في الصباح تطورت أزمة جديدة حول تسليم جثة الشريف لعائلته. الشرطة ترفض تسليم الجثة للعائلة المعنية بدفنه، رغم أن الشريف لم يكن معتقلاً عندما تم علاجه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. اليوم الأحد مساء، يتوقع أن تناقش محكمة الصلح في القدس طلب الشرطة لتشريح الجثة.

حظيت شرطة القدس مؤخراً بالثناء على الطريقة التي أدارت فيها الأحداث في شهر رمضان في المدينة. فهي خلافاً للسنة الماضية، تجنبت وضع الحواجز في ساحة باب العامود، وقللت من استخدام وسائل تفريق المظاهرات التي تشكل عقاباً جماعياً مثل المياه العادمة وقنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع، وسعت إلى الحفاظ على حرية العبادة والعيد للفلسطينيين.

هذه السياسة أثبتت نفسها. فخلافاً للسنة الماضية، اقتصرت المواجهات العنيفة على المنطقة الجنوبية في الحرم، ولم تمتد إلى باب العامود والأحياء العربية. معظم المقدسيين، إسرائيليين وفلسطينيين، احتفلوا بالأعياد بدون إزعاج، والمستشفيات لم تمتلئ بالمصابين. المفتش دورون ترجمان الذي قال قبل شهر رمضان بأن “الأمر لا يتعلق بحرب بل بشهر مقدس”، أثبت أنه يمكن وبحق أن يكون الأمر بشكل مختلف.

ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة. وفي حالة شرطة القدس، فإن الاخفاقات تنبع من رجال الشرطة في الميدان ومن قادتهم. ففي قرار استخدام العنف ضد من يحملون التابوت وإرسال رجال الشرطة إلى بيت العزاء ونزع الأعلام أو تصويب البندقية بحيث تصيب الرصاصة المغلفة بالمطاط الجزء العلوي في الجسم، هذه الإخفاقات تدل على مشكلة عميقة في المستويات الميدانية في الشرطة، يمكن عزوها لمشكلات في القيادة والسيطرة وفي إعداد وتدريب رجال الشرطة، وفي أساليب التجنيد. ولكن يصعب تجاهل جذور الأمور. كثير من رجال الشرطة لا يعتبرون الفلسطينيين الذين أمامهم من البشر الذين يستحقون الاحترام واحترام آلامهم. هذه حقيقة فظيعة ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين.

 

بقلم: نير حسون

هآرتس 15/5/2022


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-3503.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-29 02:03:13