شبكة الأمة برس | أسئلة ما بعد طرد جون بولتون


أسئلة ما بعد طرد جون بولتون

يطرح طرد جون بولتون من موقع مستشار الرئيس دونالد ترامب لشؤون الامن القومي أسئلة اكثر بكثير مما يوفر أجوبة. لعلّ السؤال الاول هل سيطرأ تغيير على سياسة الادارة الأميركية تجاه ايران ام لا؟

ليس سرّا ان بولتون كان من صقور الإدارة الاميركية وكان همّه الاول يتمثّل في مواجهة ايران وسياستها. ليس معروفا بعد هل قرّر ترامب التمهيد لقمّة مع الرئيس الايراني حسن روحاني على هامش دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، خصوصا انّه تردّد انّ ايران اشترطت قبل انعقاد مثل هذه القمّة التخلص من جون بولتون الذي لم يخف يوما عداءه للنظام الايراني الذي لم يتردّد الرئيس الاميركي بوصفه بانّه نظام "إرهابي".

ليس مهمّا ان يتغيّر بولتون الرجل الذي لم يخف يوما عداءه لـ"الجمهورية الإسلامية" التي يعرف جيدا مدى خطورة مشرعها التوسّعي في المنطقة، وهو مشروع قائم أساسا على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. المهمّ هل هناك تغيير في الموقف الاميركي من العقوبات على ايران. فما تبيّن مع مرور الوقت انّ لهذه العقوبات تأثيرا اكبر بكثير مما يعتقد، خصوصا انّها ادّت الغرض المطلوب منها والذي يتمثّل في تضييق الخناق على ايران.

بسبب العقوبات، لم تعد ايران قادرة على الاستمرار في مشروعها التوسعي القائم على ميليشيات مذهبية انشأتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. تقوم هذه الميليشيات مقام "الحرس الثوري" الايراني وتنفذ كلّ المهمات المطلوبة منها ويكون الضحايا من العراقيين او السوريين او اللبنانيين او اليمنيين فداء لإيران التي تطمح يوما الى صفقة مع "الشيطان الأكبر" الاميركي او "الشيطان الأصغر" الإسرائيلي.

ثمّة مدرستان في واشنطن. تقول احداهما انّ ترامب يمهّد لحوار مع ايران وان هذا الحوار آت لا محالة في ضوء رغبة الرئيس الاميركي في تفادي أي مواجهة عسكرية ستقضي على ايّ امل في إعادة انتخابه لولاية ثانية في تشرين الثاني – نوفمبر من السنة 2020. يصرّ المؤمنون بهذه المدرسة على ان لا همّ لدى دونالد ترامب سوى العودة الى البيت الأبيض، حتّى لو كان ذلك على حساب السياسة الايرانية التي وضع أسسها في بداية عهده والتي توّجت بتمزيق الاتفاق النووي الذي وقّعته ايران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا في تموز – يوليو من العام 2015 عندما كان باراك أوباما لا يزال في البيت الابيض. اصرّ الرئيس الاميركي الحالي على ان هذا الاتفاق هو "الاتفاق الأسوأ" الذي يمكن التوصّل اليه مع ايران.

وضع ترامب الأسس لسياسته الايرانية عبر خطاب مشهور بعد سنة من دخوله البيت الابيض عدّد فيه ما ارتكبه النظام في ايران منذ العام 1979، تاريخ سقوط الشاه وقيام "الجمهورية الإسلامية" التي أسسها آية الله الخميني. لم يترك حدثا الّا واتى على ذكره بما في ذلك احتجاز الديبلوماسيين في سفارة الولايات المتحدة في طهران لمدّة 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979 تمهيدا لتحوّل الجمهورية الإسلامية الى نظام لا علاقة له باي نوع من الديموقراطية والليبيرالية والقيم الحضارية التي تؤمن بها المجتمعات المتطورة في أوروبا او القارة الاميركية او في آسيا نفسها.

يؤكد القائلون انّ ترامب لا يؤمن بالمبادئ وانّه مجرد تاجر يبحث عن مصلحته انّ اميركا مقبلة على حوار مع ايران في اتجاه صفقة جديدة ترضي الطرفين. ستعتبر ايران ان هناك حفاظا على الاتفاق في شأن ملفّها النووي وان الانتصار الاكبر بالنسبة اليها يتمثّل في رفع العقوبات الاميركية. في المقابل، ستعتبر الإدارة الاميركية انّها استطاعت التوصل الى ادخال تعديلات جوهرية على الاتفاق النووي بما يسدّ الثغرات التي جعلتها تضع نهاية له. ليس مهمّا هل هذا صحيح ام لا. المهمّ ان ترامب استطاع في نهاية المطاف تفادي مواجهة عسكرية يمكن ان تقضي على أي امل بعودته الى البيت الأبيض في 2020.

يقول المؤمنون في واشنطن بالمدرسة الأخرى انّ بولتون ليس إدارة ترامب وانّه لن يحصل أي تغيير دراماتيكي في شأن ايران والسياسة المتبعة تجاهها التي في أساسها العقوبات. يؤكد هؤلاء ان هناك ضمانة لاستمرار السياسة المتشددة تجاه ايران وان من يرمز الى هذه السياسة هو وزير الخارجية مايك بومبيو الذي لم يخف يوما اعتراضه على المشروع التوسّعي الايراني ولم يكن في يوم من الايّام اقلّ تطرّفا وتشددا من جون بولتون.

وحدها الايّام ستكشف أي مدرسة ستنتصر في واشنطن، لكنّ الأكيد انّ بومبيو لا يزال يشكل ضمانة لاستمرارية في السياسة الاميركية تجاه ايران. لم يتردد وزير الخارجية الاميركي في كشف ايران وما تقوم به في الداخل وفي المنطقة كلّها بوضوح ليس بعده يجعل من جون بولتون شخصا ثانويا لا يؤخّر وجوده ولا يقدّم بعدما اخذت وزارة الخارجية تستعيد وزنها.

الاهمّ من ذلك كلّه انّ السياسة الاميركية تجاه ايران لم تعد مرتبطة بشخص ترامب وحده وذلك على الرغم من انه الرئيس وانّه يستطيع ان يفعل ما يشاء. هناك إضافة الى وزارة الخارجية المؤسسة العسكرية والأمنية الاميركية التي تدركك ما الذي يعني الاستسلام لإيران. هناك نائب الرئيس الاميركي مايك بنس الذي يبقى، على الرغم من انّه لا يملك أي سلطات فعلية، رمزا للتشدد تجاه ايران... من منطلق أيديولوجي.

تبقى نقطة أخيرة مرتبطة بما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقررة في السابع عشر من الشهر الجاري. ستكون هذه الانتخابات مفصلية بالنسبة الى مستقبل بنيامين نتانياهو الذي يدعو الى اتخاذ موقف في غاية الصرامة من الملفّ النووي الإسرائيلي. ليس مستبعدا افتعال نتانياهو حدثا كبيرا قبل موعد الانتخابات بغية حماية نفسه من الملاحقة القضائية والعودة الى موقع رئيس الوزراء. يلعب نتانياهو في هذه الانتخابات مستقبله السياسي، بل مستقبله الشخصي في ضوء الملفّ القضائي الذي اعدّ له.

بابعاده بولتون، كشف دونالد ترامب انّه شخص مزاجي الى حدّ كبير. لماذا جاء بهذا الشخص المعروف بمواقفه المتطرفة من ايران الى موقع المستشار لشؤون الامن القومي اذا كان سيقوم باستدارة كاملة في مرحلة معيّنة من اجل البقاء في البيت الأبيض اربع سنوات أخرى. هذا اذا تبيّن انّ تغييرا ما سيطرأ على السياسة الاميركية تجاه كان وراء طرد جون بولتون.

ما حدث مع بولتون يثبّت مخاوف غير طرف عربي تعاطى مع إدارة ترامب بحذر شديد من منطلق ان الرجل ليس من النوع الذي يمكن الوثوق به الى آخر حدود... بل من الأفضل التمهّل قليلا والتفكير مليّا قبل وضع كلّ البيض في السلّة الاميركية!


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-33.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-29 07:03:05