شبكة الأمة برس | فيروس «أوميكرون».. مزيد من الارتباك العالمى


فيروس «أوميكرون».. مزيد من الارتباك العالمى

مثير للقلق، سريع الانتشار والعدوى، يُنذر بكارثة صحية أكثر فتكاً، الهلع يصيب أوروبا، متحور يتحور على طفرات مُعقدة، اللقاحات المتوافرة قد لا تكفى لمواجهة المتحور الجديد، نحتاج أسبوعين على الأقل لمعرفة تأثير المتحور الجديد ومواصفاته الجينية، نحتاج مائة يوم لإنتاج لقاح مضاد للمتحور الجديد.. هذه عينة من المقولات والعناوين الكبرى التى سادت فى الإعلام الدولى بأنواعه المختلفة، بعضها تحذيرات من منظمة الصحة العالمية وأخرى من قبل علماء من دول مختلفة، وتطمينات من قبل شركات الأدوية الكبرى المصنعة للقاحات فيروس كوفيد 19، التى أقبل عليها العالم بأسره فى العامين الماضيين كطريق إجبارى للتعافى.

أما الهلع الذى ساد بعض بلدان أوروبا فمرده أنهم ضد الإغلاق العام الذى فُرض على العديد من البلدان، وكان الأمل قبل اكتشاف المتحور الجديد المسمى «أوميكرون» أن ترتفع تماماً قيود الانتقال والتحرك بما فى ذلك ارتداء «الكمامة» التى يكرهها كثيرون، وأن تعود الأمور إلى طبيعتها، فإذا بالاكتشاف الجديد لتطور الفيروس الجينى ومخاطره وغموض تأثيراته، يطيح بتلك الآمال الجماعية.

تحور الفيروسات حقيقة علمية معروفة، لكنها وفقاً للجوائح التى مرت بها البشرية منذ قرون بعيدة كانت تأخذ وقتاً أطول يمتد إلى عقود عديدة، بينما متحور فيروس «كوفيد19» يخرج من دورة إلى أخرى ومن مواصفات إلى أخرى فى مدد زمنية محدودة جداً، لا تزيد على عدة أسابيع، ما يشكل مصدراً للحيرة والقلق معاً. ففى سبتمبر الماضى اكتشف متحور «دلتا» فى بريطانيا، وقبل أن ينتهى نوفمبر الماضى اكتشفت جنوب أفريقيا متحور «أوميكرون» الجديد. هنا يصبح التساؤل العلمى مشروعاً هل مثل هذه التحورات والطفرات الجينية لفيروس لا يزيد عمره على عامين مسألة طبيعية أم أنها مرتبطة بتدخلات بشرية حتى ولو بدون قصد؟ مثل هذا التساؤل العلمى البحت قد يثير لدى العديد من الناس فى مجتمعات مختلفة ما يعرف بنظرية المؤامرة الكبرى، وملخصها أن ثمة جهة تتحكم فى إيجاد الفيروس، ولو من الطبيعة ثم إدخال تغيرات جينية معينة عليه تتيح له الانتشار ومقاومة اللقاحات والأدوية، وبما يؤدى إلى مكاسب معينة لجهات بذاتها، قد تكون دولاً معينة أو شركات أدوية كبرى، تستفيد من هذه الحالة المثيرة للقلق على حياة البشر، أو منظمات سرية أو علنية لديها تصور للتحكم فى مصير البشرية من خلال التحكم فى معدلات الزيادة البشرية لمواجهة ما يُقال «ندرة المواد الغذائية»، على أن يبقى فقط الأصلح والأقدر على البقاء.

وأياً كان التفسير، فإن الواقع والتداعيات المنظورة حتى اللحظة تشى بحالة ارتباك فى الكثير من الأنشطة للعالم بأسره، مثل التذبذب فى أسعار النفط وأزمة سلاسل التوريد التى أثرت بدورها على العديد من الصناعات الحيوية فى العالم، لاسيما أزمة توريد الرقائق الإلكترونية التى تدخل فى العديد من الصناعات الحيوية كالطائرات والسيارات والأجهزة الإلكترونية والمعدات الحديثة وغيرها. وإذا حدثت إغلاقات كبرى فالأمر مرشح لمزيد من الارتباك، ما يتطلب اتخاذ إجراءات مبتكرة على مستوى الاقتصادات الوطنية لاحتواء التداعيات المنتظرة. بيد أن التذبذب فى أسعار النفط الذى تزامن جزئياً مع اكتشاف متحور «أوميكرون» يُعد حالة خاصة تتطلب فك الاشتباك بين ما هو متعلق بالعرض والطلب وما هو تفسير البعض كجزء من نظرية المؤامرة. معروف أن الشعور الذى ساد مؤخراً لدى العديد من الدول أن ثمة حالة تعافٍ اقتصادى على المسوى العالمى تزداد وتيرتها، ما دفع المنتجين فى «أوبك» إلى ضبط الإنتاج دون زيادة بدافع الحصول على أسعار أعلى تعوضهم خسائر العام المنصرم. فكان التصرف الأمريكى باستخدام الاحتياطى النفطى المُعد للأزمات الطارئة مع عدة دول أخرى كالصين وروسيا والهند، مما أدى إلى وقف زيادة الأسعار واتجاهها نحو النزول التدريجى، وجاء الإعلان عن متحور «أوميكرون» ليضيف سبباً آخر لانخفاض أسعار النفط، نتيجة التوقعات بحدوث إغلاقات دولية تؤثر على الأنشطة الاقتصادية ومن ثم تقل الحاجة إلى النفط.

هذا الارتباط اللحظى بين ظهور متحور «أوميكرون» واللجوء إلى إجراءات الإغلاق الاحترازية الجزئية حتى اللحظة، وبين تصرف الدول الكبرى باستخدام الاحتياطيات النفطية، قد يساعد على التمسك بفكرة أن هناك من يعبث عمداً بحالة العالم، بيد أن تأمل الأمر يُقيّد هذا التفسير ولا يدعمه، لأن تحور الفيروس هو جزء من طبيعته، والمصادر العلمية الرصينة كانت تتوقعه ولكنها لا تعرف طبيعته أو مدى تأثيره أو أين يُكتشف.

خلاصة القول إن تفسيرات نظرية المؤامرة رغم ما تبدو عليه أحياناً من وجاهة ظاهرة، لكنها لا تنفى أبداً أن يكون الأمر كله مسألة طبيعية تتعلق بتأثير متبادل بين الإنسان والحيوانات والطيور بأنواعها حين يرتفع الاختلاط والتشابك بينهما إلى حد أكثر من المعقول، وهو تفسير مرتبط بحقيقة أن المصدر المعروف حتى الآن لفيروس «كوفيد19»، وهو الأب لكل المتحورات التالية، جاء من طائر الخفاش، الذى تستخدم أنواع معينة منه كغذاء فى الصين.

وعلى أية حال، فإن التفسيرين المتداولين، المؤامرة والمنشأ الطبيعى، سيظلان موجوديْن فى الحوار العام عالمياً إلى أن يستطيع أحد أن يحسم الأمر بدلائل علمية غير قابلة للنقد أو المراجعة. وتلك بدورها بحاجة إلى سنوات وربما عقود. ولذا سيظل الواقعى هو البحث عن رد الضرر والتعامل مع التأثيرات بأنواعها، الصحية والطبية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حفظاً للبشرية بدلاً من الانغماس فى حوارات ومجادلات لن تفيد بقدر ما تضر وتشتت الجهود.

رد الضرر ليس سلوكاً فردياً وحسب، بل هو سلوك مجتمعى وعالمى فى آن واحد. بعض تبعاته سَتُحمِّل الجميع كثيراً من التكاليف المكروهة، ولكنها ستظل ضرورية وغير قابلة للتجاهل أو الرفض. سلوك تجاهل الفيروس وخطورته ورفض الانصياع للتعليمات الاحترازية يوفر للفيروس فرصة أكبر للانتشار ويصيب الجميع بآلام غير مبررة، الأمر الذى يجب الابتعاد عنه وعدم التفكير فيه أصلاً

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس –الوطن-


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-3003.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-29 01:03:26