شبكة الأمة برس | قمة محورها العراق


قمة محورها العراق

إن كان للقمة التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد من مهمة فهي تتلخص في أنها عبرت عن أن حظوظ العراق الحضارية والقيادية لم تنكمش ولم تتراجع، خاصة عندما يحكم العراق من يعرف قيمته ودوره.

العراق إلى جانب أنه ساحة لتشابك الملفات، هو أيضا يمثل محور تقاطع لمصالح العالم. فكما أثر عدم استقرار العراق على الأمن العالمي، فإن اهتمام العالم ومستوى الحضور في القمة مؤشر على أن معالجة الأزمات العالمية تنطلق منه. لذا الهدف النهائي للقمة ليس العراق وحسب، بل هو المنطقة والعالم ككل.

هناك مواقف سياسية لا تقاس باللحظة الآنية، مثلما سارع بعض المراقبين وأصدر الحكم على نتائج القمة في ما يخص العراق. وما على ذوي الأفكار الكبيرة إلا التوسع في قراءة المشهد العراقي خلال السنوات الثماني عشرة الماضية، ومحاولات استعادة موقع العراق خلال الحكومات الست الماضية وصولا إلى الحكومة السابعة بقيادة الكاظمي، التي غيرت المشهد ومنحته أفقا عربيا ودوليا.

ليست الشجاعة السياسية أو القوة هي ما يحكم الأمور الآن، بل هي الحنكة والحكمة حتى لا يؤدّي الأمر إلى كارثة تصيب الجميع. وفي الحسابات الدقيقة وبلغة النسب والاحتمالات نجد أن سياسة المنطق التي يستخدمها الكاظمي تغلب على سياسة الحماس والصوت العالي التي ينادي بها البعض، لأن كيان الدولة كان مفقودا، والمتحكمون يديرونها وفق أجندات ومصالح لا تخدم ولا تحترم الإنسان العراقي.

اعتدنا عربيا، على منطق الأخذ بالصوت كي نغلب أعداءنا ومنافسينا. وهي ظاهرة، رغم كوارثها، مازالت الأبرز في معالجة الكثير من القضايا العربية. لهذا استبعد الكاظمي هذه الطريقة من قاموس مواجهة منافسيه.

عربيا، لدينا الكثير من الأساطير والحكايات السياسية في انتصاراتنا على من يتعدى على حقوقنا، بعضها مع الفرس أو إيران، وبعض تلك الأساطير مع إسرائيل وغيرهم ممن غزوا بلادنا، نسردها دون أن نتوقف لأخذ العبر، رغم أن الحكمة تقتضي الوقوف على أرضية صلبة لمواجهة عدو الوطن الداخلي، وتفكيك “اللوبيات” التي تعتاش على ضعف الدولة وسيادتها.

الصورة
عودة العراق
صحيح أن بإمكان فئة قليلة أن تغلب فئة كبيرة، لكن ذلك لن يتم دون الاستعداد الكامل، عدة وعتادا، وباستخدام الوسائل المناسبة، وتهيئة الظروف الإقليمية، فالأزمة العراقية خارجية قبل أن تكون داخلية.

ما هو مؤكد للجميع وعلى مستوى العالم، أن العراق دولة وشعبا لا تعوزه الشجاعة ولا تنقصه الخبرة في مواجهة من يعتدي عليه. الكاظمي هو ابن العراق، ولا تنقصه التجربة لمعرفة من يتلاعب بمقدرات العراق. وقد أثبتت الفترة الماضية على رأس الحكومة أنه يمتلك خبرة في إدارة أزمات العراق، كما أن لديه الشجاعة الكافية للمواجهة. وقد أثبت ذلك خلال مواجهة أخطر تحدّ مر على العالم ونجح بالقضاء عليه، “داعش”، وتحمل عبء الدولة العراقية في لحظة تاريخية تكالبت فيها الأزمات.

ليس الكاظمي بشخصية جبانة أو مترددة، كما يريد البعض أن يظهره في وسائل الإعلام من يعتقدون أنهم المنتصرون، خاصة الذين اختاروا أن يكونوا مع النظام الإيراني. العبرة من يضحك أخيرا، وأظن أن المخلصين والمحبين للوطن العراقي هم من سيضحك طويلا، ليس شماتة، وإنما فرحا بنهوض العراق من كبوته.

الكاظمي ككل القادة المحنكين المحبين لأبناء شعبهم يحمل في جيناته الوراثية البعد الإنساني والوطني، ويرفض شهوة القتل والتنكيل التي يستسهلها البعض خاصة مع من يختلفون معه. من السهل شن حرب أهلية بين الحكومة العراقية وبين الرافضين للدولة ومؤسساتها، ولكن الضحية سيكون العراق الدولة والإنسان العراقي، وقد تتعدى تأثيراتها حدود العراق.

لو قام من هم ضد نهج الكاظمي بجردة منطقية للحسابات السياسية قبل مباشرته للحكومة، لكان واضحا لهم أن آمال الإنسان العراقي زادت، وأن الطموحات في عودة سيادة الدولة قابلة للحدوث، فالصوت العراقي السياسي بات مسموعا، والشراكة مع بقية دول العالم والعرب رجعت. لكن هؤلاء الذين اكتفوا بالنظر إلى الجزء الفارغ من الكوب، لم يروا ذلك. كما أن النجاحات المعنوية التي سبقت انعقاد القمة أبهرت المراقبين، والدليل سرعة تنظيم الفاعلية. أضف إلى ذلك قبول المدعوين للمشاركة وحضورهم على وجه السرعة.

من كان تابع من الموجودين حالة تراجع النفوذ الإيراني في العراق، وشاهد هؤلاء الذين حاربوا الدولة العراقية واجمين، يعرف ماذا فعل الكاظمي، وكيف خطط لمستقبل بلاده.

 

*كاتب إماراتي
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-2690.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 09:03:31