شبكة الأمة برس | حائط المبكى الدولي في اليمن


حائط المبكى الدولي في اليمن

كما فقد اليمنيون ثقتهم بجميع أطراف الحرب والمكونات السياسية اليمنية، لا تحظى الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن بكثير من الثقة أو حتى الاحترام، بعد أن تلاشى أي دور حقيقي لتلك المنظمات في انتشال البلاد من براثن الحرب وتبعاتها التي أثقلت كاهل الفقراء.

وإلى جانب بيانات القلق التي باتت تشتهر بها المنظمة الدولية، يتحدث اليمنيون في مجالسهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا عن حالة الترف والحياة الرغيدة التي يعيشها العاملون في المنظمات الإنسانية في اليمن الذين باتوا يقتاتون على القلق الأممي والدولي إزاء ما يحصل في البلاد، دون أن يتحول هذا القلق إلى واقع ملموس.

ويبدو أن اليأس الذي يدب اليوم في نفوس اليمنيين إزاء انتهاء محنتهم المستمرة منذ عقد من الزمن، تسرب كذلك إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة في الآونة الأخيرة، كما تقول العديد من الشواهد، حيث باتت تلك الأطراف تبحث عن أقل الوسائل تكلفة وأكثرها ربحا للتدخل في الشأن اليمني من خلال تجاهل جذور المشكلة الأصلية والتعامل مع الأزمة اليمنية كملف إنساني صرف، يساهم في رفد خزائن المنظمات الإنسانية الدولية وينوع مصادر تمويلها الشحيحة ويوفر الآلاف من فرص العمل لموظفيها الدوليين، فيما يتواصل استغلال بعض الدول الكبرى لهذا الملف، كأداة للابتزاز السياسي.

ومن أجل تحقيق الأهداف الخفية سابقة الذكر، تحرص الدول الفاعلة في الملف اليمني والمنظمات الدولية على حد سواء وبشكل مستمر وحثيث على جعل اليمن حاضرا في المحافل الدولية ووسائل الإعلام العالمية، كأكبر أزمة وأعظم مجاعة عرفتها البشرية وتحويل هذا البلد المنهك بالحرب والفقر إلى حائط مبكى إنساني، يدر المزيد من التمويلات لخزائن هذه المنظمات التي لا يلمس اليمنيون على الأرض أي أثر حقيقي لأعمالها الإنسانية المزعومة.

وليس خافيا على من يقترب من واقع أداء المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في اليمن، أن معظم ما تحصل عليه تلك المنظمات من تمويل يذهب الجزء الأكبر منه كمكافآت لطواقم العمل في هذه المنظمات وتوفير وسائل الراحة والأمن لها، ويذهب جزء آخر للبروباغندا الإعلامية التي تعكس صورة مضخمة وغير حقيقية لما يجري على الأرض من أعمال إغاثية أو صحية، فيما يذهب الجزء اليسير المتبقي لصالح أعمال دعائية مثل الدورات التدريبية وورش العمل.

وقد أدرك الحوثيون منذ وقت مبكر نقطة الضعف الهائلة في عمل المنظمات الأممية في اليمن، فعملوا على استغلالها بأبشع الصور من خلال توجيه أنشطتها وفرض بعض الموظفين المحليين عليها والتضييق عليها بين الحين والآخر والتلويح برفض التعامل مع بعض المسؤولين الدوليين في تلك المنظمات وهو ما يعني بطبيعة الحال إجبار المنظمات على إيقاف أعمالها أو تغيير مسؤوليها بما يتناسب مع الرؤية الحوثية، وفي الحصيلة النهائية خضعت تلك المنظمات للإملاءات الحوثية، رغبة في حماية مصالح القائمين عليها.

ويمكن اكتشاف حجم هذا الابتزاز الذي مارسه الحوثيون على المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن من خلال الاستماع لشهادات بعض موظفي تلك المنظمات التي أدلوا بها، بعد انتهاء فترة عملهم في اليمن، والتي بينت حجم الانتهاكات والابتزاز والسرقة التي كانت تقوم بها الميليشيات، بينما كان هؤلاء المسؤولون يلتزمون الصمت عندما كانوا على رأس منظماتهم الفاسدة، المثقلة بالحسابات الشخصية.

وقد تجاوزت حالة التزاوج بين مصالح بعض العاملين في المنظمات الإنسانية الدولية في اليمن والحوثيين حاجز تبادل المنافع والفساد المزدوج إلى تدخل تلك المنظمات في قضايا وملفات سياسية لتخفيف الضغط عن الحوثيين، وهو ما شهدنا إحدى صوره على سبيل المثال في الدور الذي لعبته المنظمات للضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لشطب الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية تحت ذرائع ودواع إنسانية.

وقبل ذلك مارست تلك المنظمات دورا تجاوز حتى طبيعة عملها، عندما حول بعض العاملين فيها أنفسهم إلى دروع بشرية للحيلولة دون استكمال تحرير ميناء الحديدة في العام 2018 وهو ما تكلل بعد ذلك بتوقيع اتفاق ستوكهولم الذي لم يتم تنفيذ أيّ من بنوده سوى استحداث فريق أممي جديد من ذوي القبعات الزرق والشعر الأشقر، لمراقبة تنفيذ الاتفاق، يقضي معظم وقته على متن سفينة فاخرة قبالة سواحل الحديدة التي يموت أهلها جوعا، لا يراقب شيئا سوى الأفق الفارغ من الضمير الإنساني.

 

  • صحافي يمني

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-2677.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-19 05:04:58