شبكة الأمة برس | المركزية الأميركية.. عن أسباب الصمود والبقاء


المركزية الأميركية.. عن أسباب الصمود والبقاء

أحد أهم الأسئلة التي تطرح اليوم على موائد النقاش، وضمن سياق التحولات الجيوسياسية العولمية، ونشوء وارتقاء الأقطاب الدولية، هو ذاك الموصول بوضع الولايات المتحدة الأميركية، وهل تراجعت بالفعل عن موقعها وموضعها، أم أنها لا تزال محتفظة بمكانتها، ومهما بدأ على سطح الأحداث من تغيرات، في مقدمها التقدم الصيني، والعودة الروسية، وظهور تجمعات وتكتلات تجمع ما بين السياسي والاقتصادي حول البسيطة؟

ربما عزز من طرح التساؤل المتقدم، الانسحابات الأميركية الأخيرة، وبخاصة من أفغانستان، حيث مربعات النفوذ الرئيسة في آسيا الصاعدة، وبالقرب من الدب الروسي، الذي أضحى ثعلبا رشيق الحركة، والتنين الصيني، المتحفز لابتلاع العالم سلما اليوم، وحربا لا محالة غدا.

ومن ناحية أخرى عزز علامة الاستفهام الأحاديث الأخيرة عن خطوات مماثلة للقوات الأميركية في العراق، ومن قبل سحبت واشنطن بالفعل بعض بطاريات صواريخها من المنطقة.

أضف إلى ما تقدم أبعاد المشهد الداخلي الأميركي، وبخاصة بعد عامين من حرب ضروس، ضد فيروس شائه، واقتصاد يكاد يحمل على كاهله ما يقارب الثلاثين تريليون دولار بنهاية هذا العقد، وربما أزيد.

وعطفا على ما تقدم، تبدو الإشكالية الحقيقية، موصولة بالنسيج المجتمعي الأميركي، ذاك الذي تعرض لعطب شديد، وعرف الفراق طريقه إليه، عوضا عن الوفاق.

ما تقدم غيض من فيض، وهناك الكثير من الذرائع والدفوع، والتي يمكن للمنظرين القائلين بنهاية الولايات المتحدة، إعلاؤها في دوائر البحث والدرس، غير أن أسباب بقاء الولايات المتحدة الأميركية كقوة مركزية، حتى نهاية العقد الجاري، وربما عقدين تاليين، حاضرة بدورها، ولا تحتاج سوى لنبرة عقلانية موضوعية في الطرح والنقاش، وبعيدا عن العواطف المجردة.

يمكن البدء من عند القول بأن الصين هي القوة الاقتصادية اليوم والعسكرية غدا، تلك التي لن تستطيع الولايات المتحدة صدها أو ردها.

غير أن هذا الحديث مردود عليه، لا سيما بعد أن فقدت الصين خلال أزمة ظهور وانتشار فيروس كوفيد-19 المستجد، الكثير من زخمها حول العالم، وباتت ملامح الهشاشة تغلفها، وأثواب الغموض تكتنفها، إلى الدرجة التي أعتبر معها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أنه الفيروس الصيني، وليس سواه، الذي تسبب في الخراب الاقتصادي العظيم لأميركا وأوروبا، وما عداهم من قارات الأرض الست.

في هذا السياق، يمكن القطع بأن مشروعات الصين العملاقة، وفي رأس سلمها، طريق الحرير، قد أصيب إصابة جسيمة، ورؤية بكين للاتحاد الأوراسي، بالتعاون مع موسكو، قد شابها الخلل المستقبلي، عطفا على أن الكثير من دول العالم قد مضت في طريق سحب سلاسل الإنتاج الخاصة بها، والتي أقامتها على الأراضي الصينية، مستغلة رخص اليد العاملة وتوافرها، وعدم وجود ضوابط حقوقية تتعلق بالبيئة والأمان، ما يجعل معدل الربح على أراضيها أكثر منه على ترابها الوطني، فقد اكتشف الجميع أن هناك خللا جوهريا، تمثل في ظهور كورونا، ولا تزال الصين رافضة التعاون مع منظمة الصحة العالمية، في طريق البحث عن جذور الفيروس، والاستعداد للجائحة التالية، أو تفادي وقوعها من الأصل.

على الجانب الآخر تبدو الولايات المتحدة محافظة بدرجة أو بأخرى على ثوابتها، منها ما هو هبة الطبيعة، والبعض الآخر من عمل أيادي الأميركيين أنفسهم.

تبدو الوفرة في المصادر الطبيعية الأميركية، رافدا رئيسا في قدرتها على الصمود والتحدي، ومن غير الخوف من انقطاع أي واردات تخصها يوما ما، وباختصار أنها مرحلة الاكتفاء الذاتي، لا سيما على صعيد ما تأكل الأمة أو تنسج، ناهيك عما تصنع وتصدر.

يبدو الاقتصاد الأميركي، وبالرغم من كافة ما تعرض له من نوازل، قادرا على النهوض من كبواته، والسر هو التكامل ما بين قوى العمل، وأسواق النفط، والبراعة في الابتكار، والتصنيع والتقنية والخدمات.

في الوقت نفسه لا يزال الدولار الأميركي، هو كلمة السر، في صمود ذلك الاقتصاد، وحتى الساعة، ورغم الكثير من الأصوات الزاعقة والرايات الفاقعة، لم تظهر على سطح الأحداث، عملة أخرى قادرة على ملء فراغ الدولار إن هو غاب.

من هذا المنطلق يبدو واضحا قدرة الاقتصاد الأميركي على الترابط مع بقية اقتصاديات العالم، وبالمراكز المالية المتقدمة في ست قارات الأرض.

ولعل ما أكسب أميركا ولا يزال قدرتها على الاستمرار، التنوع العرقي، إذ يتصف المجتمع الأميركي بأنه مجتمع تعددي مفتوح أمام الهجرة والعوامل الديموغرافية المواتية، وتفوق نظام التعليم العالي وثقافة الفرصة المتاحة، ومهما يقال عن اضمحلال الحلم الأميركي، إلا أنه يبقى الأكثر إمكانية وقربا من التحقق.

في حسابات القوة الأميركية، لابد أن يضع المرء نصب عينيه، القدرة على تعظيم البحث العلمي، والاهتمام الفائق الوصف بالمنظومة التعليمية، ما يجعل ألد أعداء العام سام، من الصينيين والروس، يبتعثون أبناءهم وبناتهم إلى كبريات الجامعات الأميركية ليتلقوا دروسهم، ويسعوا في مجالات تخصصاتهم النادرة، على أمل العودة من جديد لإثراء بلدانهم، وهذه قصة قائمة بذاتها.

ولعله من نافلة القول أنه وحتى الساعة، لا توجد قوة سياسية على وجه الأرض، قادرة على خلق حالة من الاستقطاب، وربما التبعية، بقدر ما هو حظ ونصيب واشنطن، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وهو ما لا يتوافر للصين أو روسيا وبروكسيل.

هل من خلاصة؟

في أسوا الأحوال، وشرط تقدم الآخرين بخطى ثابتة، سوف تبقى الولايات المتحدة الأميركية، وكما يقال في اللغة اللاتينية Primus inter pares أي المتقدم بين متساويين، ولا عزاء لدعاة الانهيار الأميركي الماضي قدما، أو القادم سريعا.

هل يعني ذلك انحيازا منا لواشنطن؟

حكما إنها ليست سيدة قصر، ولديها أخطاء كارثية، لكنها الموضوعية التي تقتضي الحكم السديد في الحال، أما الاستقبال المتوسط والبعيد فله حديث مغاير ربما... إلى اللقاء.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-2565.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-25 04:04:07