شبكة الأمة برس | الصراع في اليمن : من مع من ؟


الصراع في اليمن : من مع من ؟

كانت المعارك في محيط قصر معاشيق الرئاسي في 7 أغسطس بين قوات الحرس الرئاسي و قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ، ثم الغارات الجوية التي نفذتها الإمارات العربية المتحدة ضد القوات الحكومية الموالية للسعودية 28 – 29 أغسطس هي بداية نهاية لما يسمى بالتحالف العربي ، الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ عام 2015 .
من المرجح أن تثير احداث أغسطس تساؤلات حول الدوافع و الولاءات ، من مع من ؟


العدوان على اليمن لم يبدأ مع إعلان السعودية الحرب على الحوثي 2015 ، بهدف إعادة أو الحفاظ على الشرعية و وقف التوسع الإيراني الشيعي في اليمن . دخل الحوثي صنعاء في سبتمبر 2014 . العدوان على اليمن بدأ من قبل بكثير . في عام 2010 أجتمع الرئيس على عبدالله صالح مع الجنرال ديفيد بترايوس ، قائد القيادة المركزية الأمريكية ، الموضوع حول جزيرة سقطرى و المناطق الساحلية على بحر العرب وراء ابواب مغلقة ، بعدها ارسلت السلطات في صنعاء تعزيزات عسكرية الى شرق اليمن بحجة محاربة الإرهاب ، وقد وعد حينها الجنرال ديفيد بترايوس بدعم اليمن .


من الأهداف الاستراتيجية لواشنطن هو عسكرة الطرق البحرية الرئيسية المرتبطة بمضيق باب المندب . هو طريق مائي استراتيجي مهم . تعمل الولايات المتحدة على إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى للسيطرة على الشحن ، بما في ذلك السفن الحربية في خليج عدن و المحيط الهندي . خليج عدن أهم ممر بحري يربط الشرق الأوسط و شرق آسيا و أفريقيا بأوروبا و أمريكا . من سيطر على سقطرى سيطر على الطرق البحرية الاستراتيجية للبحر الأحمر و خليج عدن و المحيط الهندي . جزيرة سقطرى مهمة ايضا للجيش الأمريكي بعد تفريغها من سكانها الاصليين و تأسيس قاعدة عسكرية بحرية للأمريكان ، لان سقطرى تقع على بعد حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر من القاعدة البحرية الأمريكية في دييغو غارسيا ، التي هي ايضا جزيرة فرغها الأمريكان من سكانها الأصليين ، وهي احد أكبر القواعد البحرية الأمريكية خارج حدودها .


تسربت النوايا السيئة للأمريكان لروسيا الاتحادية حول نوايا الولايات المتحدة للاستيلاء على جزيرة سقطرى عبر أذرعها الخليجية .
سقطرى كان بها قاعدة بحرية سوفيتية وفقدتها بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي . حاولت روسيا استعادتها من خلال المفاوضات مع الرئيس على عبدالله صالح بعد الوحدة اليمنية .
أعلنت البحرية الروسية ، بعد لقاء الرئيس صالح بالجنرال ديفيد بترايوس انها لم تتخل عن خططها لإقامة قواعد لسفنها في جزيرة سقطرى .
في هذه الفترة حركت الولايات المتحدة اذرعها في مجلس التعاون الخليجي ، بالذات دولة قطر و الإمارات العربية المتحدة .
لهذا المملكة العربية السعودية دائما كانت متخوفة من هاتين الدولتين . بدأت دولة قطر تنشيط دبلوماسيتها في اليمن في وقت مبكر قبل الإمارات العربية المتحدة . ذلك من خلال الحرب بين الحوثيين و الرئيس صالح في منطقة صعدة .
لعبت قطر دور هام في المصالحة بين صالح و الحوثي .


وفقا لــ " اتفاقية الدوحة " التي ابرمتها صنعاء مع الحوثيين في فبراير 2008 سافر السيد عبدالكريم الحوثي الى قطر و اقام فترة في الدوحة . السيد عبدالكريم الحوثي عم زعيم الحوثيين السيد عبد الملك الحوثي وهو رجل شجاع و صاحب القرار العسكري و السياسي في صنعاء ، يشكل مع السيد محمد على الحوثي رئيس اللجنة الثورية الجناح الراديكالي لأنصار الله . كان عبد الكريم الحوثي مقربا من النظام القطري .
قطر دعمت و تدعم جماعة الأخوان المسلمين في توسعهم في المحافظات الجنوبية و الشرقية ( أبين و شبوة و مأرب و البيضاء و حضرموت ) .


يلاحظ في الفترة 1993 – 1997 تضاعف عدد الجمعيات الخيرية و المراكز الاسلامية في المحافظات الجنوبية التابعة للاخوان أربع عشر مرة . مثلا في محافظة حضرموت كان عدد الجمعيات الخيرية 11 مركزا قبل حرب صيف 1994 ، وصل عددها في نوفمبر 1997 الي 142 مركزا و جمعية خيرية . البيانات المصرفية كشفت ان تمويلات مالية تأتي من قطر .
هذا التغلغل القطري الواسع في اليمن اغضب المملكة العربية السعودية . بعثت الرياض برسالة الى الدوحة تؤكد عدم ارتياحها من نشاطها في اليمن عبر وسيط كويتي تفيد الرسالة بأن تترك قطر ملف اليمن ، بعدها يتم نقله الى المملكة العربية السعودية . الدوحة رفضت القيام بذلك . كانت النتيجة مقاطعة قطر . إذا ذراع قطر القبلي – الإخواني في اليمن قوي و لا يستهان به .


فهو موجود و نشط على الساحة اليمنية في مدينة تعز و مدن اخرى . و توج النشاط القطري في اليمن بأن ترسل الدوحة احد أركان النظام الشيخة موزة بنت ناصر المسند 2013 الى جزيرة سقطرى لتؤكد ان للدوحة اهداف و مصالح في الجزيرة . و في نفس الفترة ( الشهر و السنة ) زار جزيرة سقطرى الشيخ سلطان بن خليفة ال نهيان ليؤكد هو الآخر ان لأبوظبي اهداف و مصالح في الجزيرة . هذا التدخل الخليجي في اليمن كان قبل ان تظهر حركة انصار الله .
وما عدوان أو ما يسمى " عاصفة الحزم 2015 " على اليمن الا وسيلة لتنفيذ الاجندة الأمريكية – الصهيونية وهو احتلال المواني و الجزر اليمنية و اهمها جزيرة سقطرى .


أما علاقة اليمن بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الاولى تحت قيادة مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان ( 1974 – 2004 ) كانت تقوم على اسس ودية و احترام متبادل و عدم التدخل في الشأن الداخلي اليمني . لكن في السنوات القليلة الماضية حصل في دولة الإمارات تغييران كبيران على مستوى السلطة . كان لهما التأثير الأكبر على دوائر صنع القرار السياسي و السياسة الخارجية لدولة الإمارات .الاول تحول النفوذ داخل الإمارات السبع من امارة دبي الى امارة ابوظبي ، ثانيا تحول السلطة من أيدي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم و رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان الى أيدي ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد . تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد حصل تغيير جذري في سياسات الإمارات بعد ان كانت محصورة و مركزة على الجوانب الاقتصادية و الاستثمارية. ثم انتقلت للتوسع الاقتصادي و العسكري في الخارج ، و كذا الانتقال من الاعتماد على القوة الناعمة الى الاعتماد على القوة الصلبة و القاسية . هذان السببان كان وراء التحول في سياسة الإمارات و دفعها للتدخل في العديد من البلدان ، بما في ذلك اليمن .

ان إعلان عملية ما يسمى " عاصفة الحزم " بقيادة المملكة العربية السعودية لمحاربة انصار الله و استعادة شرعية الدولة اليمنية ، كانت فرصة دولة الإمارات العربية للمشاركة فيها " عاصفة الحزم " و عبرها تحقق اهدافها في الهيمنة على المواني و الجزر اليمنية و اهمها سقطرى . لكن هذه المرة تدخل الإمارات في اليمن كان مع السلاح و اصبحت القوة العسكرية الإماراتية هي النشطة في جنوب اليمن من عام 2015 و اداة لتنفيذ سياسة أبوظبي الخارجية المتمثلة في فرض نفوذها الاقتصادي و العسكري . لهذا نجد ان الإمارات أكثر الداعمين الإقليميين لانفصال الجنوب بقيادات يمنية تابعة لأبوظبي . ان الجنوب المنفصل يعطي الإمارات موطئ قدم على باب المندب الذي يربط البحر العربي و القرن الإفريقي بالبحر الأحمر ، في طريقه الى قناة السويس و البحر الأبيض المتوسط .


أبوظبي أستثمرت موارد مالية و عسكرية ضخمة في اليمن ، و حتما ستقوم بما هو مطلوب للحفاظ على نفوذها في اليمن الجنوبي على الرغم من التكلفة . احداث شهر أغسطس 2019 اظهر الإمارات كراع و داعم اساسي للمجلس الإنتقالي الجنوبي الطموحين في قيام سلطتهم المستقلة في عدن . القادة الإماراتيون ، ربما يكون ، قد اتخذوا بالفعل قرارا بتعريض التحالف حتى مصالح المملكة العربية السعودية في اليمن للخطر ، حتى تتمكن من تحقيق اهدافها . و هذا الذي يحصل الان في عدن . أمام الإمارات العربية المتحدة الآن جبهتان الاولى التحالف القطري - القبلي – الإخواني .


الثاني شرعية المملكة العربية السعودية ( شرعية هادي ) و حلفائهم .
الحاصل في اليمن الجنوبي حاليا كان لابد ان يحصل ــ الان أو غدا . تشكل التحالف من الدول الاسلامية ذات الاغلبية السنية بسرعة ــ بقيادة المملكة العربية السعودية بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة و قطر و المغرب و السودان و السنغال ــ و تدخل في اليمن نيابة عن الحكومة في مارس 2015 بهدف اعادة السلطة الشرعية .


تم تشكيل هذا التحالف من دون وضع برنامج يحدد اهداف التحالف أو حتى وضع ضوابط تلتزم به أطراف التحالف . لذا عندما اعلنت الإمارات الإنسحاب العسكري من اليمن ، هذا الإعلان شحذ المنافسة بين الدولتين الخليجيتين الحليفتين و اصبحتا هاتين الدولتين خصمتين لبعضهما البعض ، ظهر التناقض بينهما في العلن عمليا من خلال المواجهة في محيط قصر معاشيق الرئاسي في مدينة عدن في الاسبوع الاول من أغسطس .

الآن الخوف من ان يخرج هذا التنافس عن السيطرة بعد ان شكل و حشد كل فريق ميليشياته المسلحة ، الطرف الاول : السعودية يتبع لها الجيش و ميليشيات هادي و بعض القبائل الموالية له و حزب الاصلاح ( فرع من حركة الاخوان ) . الطرف الثاني : قطر و تركيا و حلفائهم من حزب الاخوان المسلمين وبعض شيوخ القبائل و تأييد رمزي من سلطة صنعاء . الطرف الثالث : اضافة الى ما ذكر ، هناك وحدات و كتائب عسكرية يمنية مدربة تدريب عالي قامت بتأهيلها الامارات العربية المتحدة و تحظى باهتمام امريكي – اوروبي واسع . أهلتها الامارات لهذه المرحلة بشكل مدروس و مخطط له مسبقا للاستيلاء على السلطة . هذه الحرب ضربة مؤلمة للسعودية و تثير تساؤلات هل ينبغي على الرياض مواصلة حربها غير المثمرة في اليمن .


أبوظبي اعلنت ميدانيا انها تسعى لخدمة اهدافها من خلال دعم المجلس الانتقالي الجنوبي . للامانة التاريخية المملكة العربية السعودية لم يكن لها حلفاء في اليمن باستثناء الرئيس على عبدالله صالح الله يرحمه . بالاضافة الى ذلك ان هجمات الحوثي على المنشآت السعودية ليس بهدف زيادة تكاليف الحرب ، لكنها تشجع جماعة انصار الله على الاصرار عند التسوية السياسية ان تفرض منحها مكانة و دورا رئيسيين في مستقبل اليمن شمالا و جنوبا . وقد لا تنتهي حرب التحالف ضد الحوثيين لصالح قوى التحالف أو تساعدهم في تنفيذ اهداف أمريكية – اسرائيلية في الجزر اليمنية و بالذات في سقطرى .


في ظل الحالة السائدة الان ، نستطيع ان نقول ان الحوثيون هم الاقوى على الساحة اليمنية ، رغم ان موقف انصار الله لا يزال غامضا من احداث الجنوب . أما المعارضة اصبحت أكثر تشتتا و تمزقا ، و المملكة العربية السعودية أقل أمانا و أكثر تشويها . بينما إيران اصبحت أكبر نفوذا ، و اليمنيون أكثر فقرا و يأسا .


الخلاصة أن الامر واضح الآن ان الحرب تميل حاليا لصالح انصار الله ، و تشكل عبء ثقيلا للغاية على كاهل السياسة الخارجية السعودية و يضعها في موقف العاجزة على تخليص نفسها من الكارثة التي ادخلت نفسها فيه .
ايضا هذه الحرب تلقي بظلال من الشك على قدرة قادة الإمارات العربية المتحدة و قطر ان تحقق أي انجاز لدولهم أو لحلفائهم من خارج المنطقة ، الا ما كان يخدم اليمن و شعب اليمن فقط . اليمن عمق استراتيجي لهم ، عليهم الحفاظ عليه .

 

*كاتب ومحلل سياسي يمني

المقال يعبر عن كاتبة ولايعبر بالضرورة عن راي او موقف الأمة برس


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-23.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-19 05:04:49