شبكة الأمة برس | التوقعات في الشؤون الدولية


التوقعات في الشؤون الدولية

يواجه الإنسان سؤال (ماذا تتوقع) في شؤون الحياة المختلفة؟ قد يكثر طرح هذا السؤال وقت الأزمات، ويوجه للمختصين وغير المختصين.

التوقعات يفترض أنها تأتي مستندة إلى دلائل ومؤشرات أو دراسات كما يحدث في التوقعات الاقتصادية، وأحياناً هي مجرد أمنيات تتحول إلى توقعات، وقد تتحول عند البعض إلى عادة موسمية يسميها صاحبها تنبؤات عن أحداث المستقبل، وهذه لا يعلمها إلا الله.

قرأت لكم في هذا المجال مقالاً بعنوان (ماذا تتوقع؟) للدكتور غازي القصيبي - يرحمه الله - ضمن كتاب له بعنوان (عن هذا وذاك).

يتطرق د. غازي إلى هذا الموضوع كونه يتلقى أسئلة عن توقعاته حول بعض الشؤون الدولية، ويقول إنه يجيب عليها إجابات مبهمة أو يمتنع عن الإجابة، ويبرر هذا التصرف بتسليمه بعجزه عن الوصول إلى توقعات يركن إليها.

التوقعات في الشؤون الدولية - في نظر د. غازي - ليست سهلة حتى بالنسبة لأذكى الزعماء والدبلوماسيين. ويذكر أمثلة واقعية من التاريخ القديم والحديث تدعم هذا الرأي. منها تصريح جورج واشنطن العام 1776 أن حرب الاستقلال ضد بريطانيا ستنتهي في أسابيع قليلة، ولم تنته إلا بعد سبع سنوات. أما حرب فيتنام فكان الخبراء يتوقعون استمرار الحرب لثلاثة أشهر تنتهي باستسلام الفيتناميين.

يفسر د. غازي الفشل في التوقعات الدولية بعدة أسباب منها ما يتعلق بسيكولوجية التوقع؛ لأن المتوقعين بشر يخضعون لعواطفهم وأهوائهم. وهو ما أشرنا إليه في تحول التوقعات إلى أمنيات. يرتبط أيضاً بسيكولوجية التوقع - حسب د. غازي - إعلان توقعات إيجابية بهدف رفع الروح المعنوية.

ومن الأسباب في رأي د. غازي، ما يتعلق بطبيعة الشؤون الدولية، حيث تتداخل عوامل كثيرة في أي موقف دولي، كما أن الاتجاهات الموجودة في أي موقف دولي كثيراً ما تكون متعارضة، فتصبح القرارات تحت ضغوط قوية متناقضة.

يضيف د. غازي إلى ما سبق أن أكثر المعلومات الضرورية محاطة بالسرية الشديدة، وأن كثيراً من المواقف العلنية لا تمثل المواقف الحقيقية، ولهذا يأتي التوقع في الشؤون الدولية مبنياً بالضرورة على معلومات ناقصة أو مغلوطة ومثل هذا التوقع يندر أن يتصف بالدقة.

السبب الرابع في فشل التوقعات الدولية - حسب د. غازي - هو أن صاحب التوقع يبني توقعه على ما يعتبره منطقياً من وجهة نظره الخاصة.

هكذا نجد أن د. غازي رغم تخصصه في العلاقات الدولية، وثقافته العامة يشير إلى عقبات تحول دون الوصول إلى توقعات دقيقة في الشؤون الدولية، ولعل التخصص والثقافة والخبرة هي التي أوصلته إلى هذا التحليل أو هذا الرأي. وهو لم يكتف بذلك بل اقترح دروساً خمسة يرى تذكرها قبل طرح التوقعات، وهي بأسلوبه الخاص:

ألا ننسى أبعاد جهلنا بطبيعة الموضوع المعقد الذي ندرسه وأن أمامنا وقتاً طويلاً يجب أن نقطعه قبل أن نعتبر أنفسنا خبراء أو علماء.

أن نتجرد ما أمكننا من عواطفنا ورغباتنا وأهوائنا وحساسياتنا، وأن نتشبث بأكبر قدر من الموضوعية.

أن نضع أنفسنا موضع الطرف الذي نحاول توقع تحركاته، وأن نفكر كما يفكر، ونخطط كما يخطط على ضوء منطلقاته ومفاهيمه.

أن نحرص على جمع المعلومات الدقيقة والصحيحة حول مختلف جوانب الموقف، وأن نعطي كل عامل في الموقف وزنه الحقيقي.

أن نحرص على ألا نتوقع أحداثاً بعينها، أو تفاصيل بذاتها. فمثل هذه المحاولة مضيعة للوقت والجهد.

حسبنا بعد التجرد والدراسة أن ننجح في توقع اتجاه دون اتجاه أو نزعة دون نزعة، أو سياسة عامة دون أخرى.

بعد قراءة لرأي الدكتور غازي، والدروس والنصائح التي يقترحها، تذكرت من يطرحون توقعات قاطعة مصحوبة بتحديات، فهذا يعلن أن توقعاته إذا لم تحدث فسوف يمشي حافياً في الشوارع في عز الصيف، وآخر يقول إنه سيمتنع عن الطعام. وتعجبت ممن يتعدون حدود التوقع إلى صيغة تشبه إصدار القرارات فيقولون: سوف يحدث كذا وكذا، ويحددون الزمان والمكان والأشخاص! والمشكلة أنهم يجدون من يصدقهم!

ولعلي في الختام أقول: إن رأي د. غازي لا يعني استحالة تحقق بعض التوقعات، بعضها قد يتحقق بالمصادفة على طريقة (رمية من غير رامٍ)، وبعضها يتحقق نتيجة دراسة وتحليل، ولا يخلو التاريخ من توقعات تحققت. وهناك من هو مؤهل لهذا الأمر، وكان د. غازي أحد المؤهلين بجدارة للتحليل والدراسة والتوقعات بحكم خبرته التي أهدت إلينا الدروس الخمسة التي اقترحها.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-2263.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-24 06:04:41