شبكة الأمة برس | أزمات العرب العالقة.. هل من حلول؟


أزمات العرب العالقة.. هل من حلول؟

من الصعب حصر الأزمات التي تواجه العرب في مشرقهم ومغربهم اليوم، فهي كثيرة، ويمكن تقسيمها الى قسمين كبيرين، الأول أزمات منخفضة الصراع نسبياً، و أزمات شديدة الصراع، وفي الأخيرة أزمات يمكن أن توصف بأنها حرب أهلية، أو أخرى حرب سياسية بالغة الشدة والتأثر في المجتمع.

الأزمات منخفضة الصراع لا تحتاج الى تذكير، ولكنها في الغالب بين دول عربية متجاورة، الدخول في تفاصيلها قد تضيع علينا أولوية النظر الى الأزمات شديدة الصراع، بل والمحتدمة الى حد التفجر. ويمكن أن نضع لبنان، سوريا، العراق، اليمن، وليبيا في هذه المجموعة، ويمكن بسهولة إضافة فلسطين والجزائر. أي تقريباً ثلث عدد دول الجامعة العربية هي في صراع محتدم اليوم. تلك ظاهرة بحد ذاتها تقول إننا أمام أزمة حقيقية ملتهبة في هذه المنطقة من العالم، وليس في أقاليم العالم الأخرى مثل هذا العدد من الدول ذات الأزمات العميقة.

الظاهرة الثانية التي يمكن ملاحظتها بسهولة أن الافراد في جميع أو كثير من هذه المجتمعات يتمتعون بقدرة كبيرة في الفهم لمطالب الحياة الحديثة ولديهم من المهارة والمبادرة الشيء الكثير، فاللبناني مشهود له في أي مكان هو فيه بالإنجاز، والسوري مبادر ونشط، العراقي مبتكر، واليمني يحمل ثقافة وتاريخ مميزان، والليبي قدم الكثير من المساهمات الفكرية والاجتماعية، والفلسطيني متعلم ويحمل صفة القدرة على النجاة من المخاطر، والجزائري عاش في الغرب وتكيف ولديه القدرة على البقاء، بعد استعمار طويل و قاسٍ. اذاً أين المشكلة؟

في كل تلك المجتمعات يمكن النجاح الفردي وفي الوقت نفسه الفشل الجماعي. أحد أهم صفة مشتركة للثقافة العربية أنها غير قادرة على العمل الجماعي الخلاق والمفيد للمجموع. هذه الظاهرة تحدث عنها عبدالرحمن ابن خلدون في السابق، وعاد اليها في اللاحق المفكر الجزائري مالك بن نبي في أطروحته "ظاهرة القبول بالاستعمار". يبدو للوهلة الأولى أن هناك تناقضاً مبدئياً بين الأهلية الفردية الناشطة، وبين الخمول الجماعي في القدرة على حل المشكلات التي تواجه المجتمع. يرى البعض أن السبب هو الفشل في القيادة، وأن عدم توفر قيادة جامعة وقادرة ومقبولة وعادلة، هو السبب الرئيس لبروز تلك الظاهرة المتناقضة.

ما توفر من قيادات في القرن الأخير للعرب، معظمها شمولية ومؤدلجة ونافرة من بناء المؤسسات. الحزب الواحد والرئاسة الواحدة والقيادة الملهمة، والضرورة التاريخية. في هذا الجو يلتئم المجموع في (قبائل) ولكن ليس عن رضىً وقناعة، بل عن جبر وإلحاق. لو نظرنا حولنا لكل تجارب الفشل نرى أن أوكسيجين الرأى و الرأي الآخر، ليس غير موجود فقط، ولكنه منعدم. ليأذن لي الإخوة الناصريون أو من بقي منهم، أن أنقل رأياً للمرحوم جمال عبد الناصر، على كل ما فعله بحسن نية لوضع العرب تحت الشمس. سُئل مرة: لماذا لا نتيح لحزب غير الاتحاد الإشتراكي العمل في الساحة، رد بالقول: لدينا حزباً "رجعياً" يعمل في الخفاء، فما حاجتنا لواحد علني (مذكرات ثروت عكاشة)، الأمر الذي تكرر في شكل كاريكاتوري في ليبيا القذافي "ملك إفريقيا" وسوريا الأسد "الى الأبد" وصدام "رئيس الضرورة"، و"لولاك ما ظهر القمر "! وعمر البشير "عمر العادل أو عمر الثاني"... إنه إرث ثقافي طويل سمته الرئيسية تأليه الفرد وعدم قبول الرأي الآخر أو إتاحة البناء المؤسسي.

ثقافة القطيع ليست جديدة على الشعوب، فالاتحاد السوفياتي وغيره من الأنظمة الشمولية العدائية، مثل الرايخ الثالث... تراث آدولوف هتلر، أو غيرها وما يمثلها هي كذلك، فقبل سقوط الاتحاد السوفياتي راجت النكتة السوداء التالية: سُئل أحد المواطنين، ما رايك في الاقتصاد السوفياتي، قال: كما قالت "البرافدا" (جريدة)، وما رأيك في الطقس اليوم، قال: كما قالت أازفيستيا" (جريدة)... قيل له وأنت أليس لك رأي، قال: نعم ولكني ضد رأيي! نكتة سوداء، ولكنها تتكرر يومياً أمامنا، فذلك الرجل أو المرأة (في لبنان) والذي يظهر على شاشات التلفزيون وهو من حزب السيد ميشال عون، يكرر كلام السيد جبران باسيل، إن لم يكن بالحرف فبالمعنى، ويعمى عن كل هذا التدهور الحاصل في بلاده، والذي سوف يحولها الى فضاء خرب، وبالمثل من يناصر "حزب الله" وآخرون ممن التحقوا مع الأسف بهذا القطيع او ذاك من القبائل السياسية. نادراً ما تجد رأياً مستقلاً، وإنْ حدث فمصيره أن يسمى لقمان سليم ورصاصات غير مجهولة المصدر (الإسرائيلي طبعاً) في جثته!

قبل أيام اتخذت لجنة من لجان مجلس النواب الكويتي توصية برفع مكافأة الطلاب، وكان خلف التوصية كما يظهر بعض تيار (الإسلام الحركي) وبعدها اعترض عبر تويتر أحد الممارسين في التعليم وهو من التيار نفسه، فما كان إلا أن اتهم بأنه (حكومي) وعلى رؤوس الاشهاد.

يستطيع المهتم أن يؤلف كتاباً في هذا الموضوع لأن الشواهد متاحة. وبالتالي لا استطيع أن أجزم أن حلاً تفاوضياً وبناء دولة حديثة سوف يتم في ليبيا او اليمن أو سوريا، الطريق طويل، وسوف تعتم طويلاً بيروت الجميلة قبل أن يتهيأ لها الصباح!.

 

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1983.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-26 01:04:38