شبكة الأمة برس | نتنياهو والفشل الاستراتيجي أمام إيران


نتنياهو والفشل الاستراتيجي أمام إيران

في أعقاب انتخابات 2009، في مرحلة مبكرة من ولايته الثانية، قرر نتنياهو وضع أولويات حكومته الصراع ضد خطر تحول إيران إلى قوة عظمى نووية، على رأس السلم. اعتقد نتنياهو بأن عليه تحديد أهداف الصراع لإسرائيل وللأسرة الدولية كلها، ولكنه خطواته أدت إلى فشل تام. الفشل السياسي – الأمني الأكبر والأكثر إيلاماً لإسرائيل منذ قيامها.

منذ سنوات تعرف محافل الاستخبارات في إسرائيل وفي العالم بأن لإيران نوايا لتحصيل قدرة نووية وإنتاج قنبلة ذرية. بل إنها بدأت بتطوير صواريخ تسمح لها بالوصول إلى مطارح بعيدة، بما في ذلك أهداف استراتيجية ممكنة في إسرائيل. وكانت السياسة الإسرائيلية واستعدادها للصراع تقوم على أساس هذه الفرضية وبموجبها.

عملت إسرائيل ضد إيران في أرجاء العالم بقيادة الموساد، وبتعاون كل محافل الأمن (وأولاً وقبل كل شيء شعبة الاستخبارات “أمان”، ولجنة الطاقة الذرية، ووزارة الخارجية، والشاباك وباقي الجهات الرسمية). لم يعرف شيء عن حجم هذا النشاط ومداه ونتائجه، ولكنه سيسجل في صفحات الذهب لدولة إسرائيل. اريك شارون وأنا بعده اعتقدنا أنه ينبغي العمل في جبهات مختلفة، في ظل أخذ مخاطر عديدة – ولكن دون الكشف عن أي من هذه الأعمال. اعتقدنا أن ليس هناك ما يدعونا إلى أخذ مخاطر زائدة، وأن الاحتمال الوحيد للنجاح في هذا الجهد الدولي المركب هو الحفاظ على ضبط النفس لأقصى حد ومواصلة قيادة الولايات المتحدة له.

في خطاب في مؤتمر هرتسيليا، في بداية العام 2007، شددت على أن إسرائيل ستعمل بكل القدرات والقوى التي لديها ضد التحول النووي الإيراني – ولكن الصراع على المستوى الدولي يجب أن تقوده الولايات المتحدة. كانت لي ثقة كاملة بقدرة وإرادة وتصميم الرئيس الأمريكي في حينه، جورج بوش الابن، لقيادة المعركة.

في تلك السنين، بدأت الساحة الدولية تفرض العقوبات الاقتصادية ضد إيران. وتشكلت قيادة خاصة في الولايات المتحدة بإدارة نائب وزير المالية ستيوارت ليفي، الذي عمل بالتعاون مع جسم خاص أقيم في إسرائيل للمس بحرية العمل الاقتصادية لإيران وتجارتها الدولية. واتخاذ مجلس الأمن في الأمم المتحدة قرارين حول العقوبات ضدها. وكانت الساحة الدولية ملتزمة بالعمل على صدها – وهكذا تصرفت.

إلى أن جاء رئيس وزراء إسرائيلي قرر تحطيم كل الأواني، وإملاء نموذج جديد للصراع – كان يفترض بذروته أن تكون تصفية عسكرية لكل القواعد في إيران التي اشتبه أنها مرتبطة في جهدها النووي. قرار نتنياهو لم يبقَ سراً ولم يبحث في الغرف المغلقة فقط: فإمكانية الهجوم على إيران أصبحت موضوعاً علنياً مكشوفاً واستفزازياً، سمعت أصداؤه من أقصى العالم حتى أقصاه. ولا يزال الجميع يذكر العرض الساخر من على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حين استعان نتنياهو بالرسومات عن توسع القدرة النووية لطهران، في ظل تحديد الخط الأحمر الذي لا يكون عنده مفر غير العمل عسكرياً. وخشي أفضل أصدقاء إسرائيل في العالم من المبادرة إلى خطوة عسكرية مستقلة، تهز الشرق الأوسط كله.

ومنذ العام 2008، في أثناء زيارة إلى البلاد، قال بوش لإيهود باراك، وزير الدفاع في حينه، بحضوري، إنه لن يسمح لإسرائيل بمهاجمة إيران، وإن الولايات المتحدة ستمنع عبور الطائرات الإسرائيلية فوق العراق. وتعهد بوش العمل بقوة ضد التحول النووي الإيراني، ولكنه اعتقد بأن محاولة إسرائيل القفز إلى الأمام لتقوض كل الساحة الدولية هي محاولة مغلوطة وخطيرة وقد تكون هدامة.

أدار براك أوباما سياسة مشابهة، وكان ملتزماً تماماً بمنع كل محاولة إيرانية للدفع إلى الأمام باحتمال التسلح النووي. وتبين في تلك السنين أنه منذ العام 2003 أوقفت إيران برنامجها النووي، وإن كانت واصلت تطوير قدرة لإطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، القادرة على حمل سلاح نووي أيضاً.

قررت حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو أن تعمل كل شيء كي تؤدي إلى عملية عسكرية ضد إيران. فالتهديدات التي لا تتوقف وظهور نتنياهو المتواتر من فوق كل منصة في البلاد وفي العالم ساهمت في بدء المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، بما في ذلك بين روسيا وإيران. وهكذا ولد الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 دون أن تكون إسرائيل شريكة في الخطوات والتأثير عليها.

لم يكن الاتفاق النووي لأوباما ليوقع لو لم يخلق نتنياهو خوفاً حقيقياً في أن إسرائيل تستعد لعملية عسكرية شاملة. وإذا كان الاتفاق النووي سيئاً مثلما ادعى، فقد كانت له مساهمة حاسمة في أنه وقع. كثيرون، وأنا بينهم، اعتقدنا بأن الاتفاق يعاني من مواضع ضعف غير قليلة، ولكن رغم علله كان أفضل من انعدام الاتفاق. نتنياهو، بخلاف رأي الكثيرين، قرر تفعيل كل قوة إسرائيل السياسية في أمريكا والتهديد بكل إمكانياتنا العسكرية الكامنة لإلغاء الاتفاق.

أنهى أوباما ولايته، وانتخب ترامب. وبعد وقت غير بعيد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. في أثناء تلك الفترة نفذت إسرائيل بضع حملات فاخرة كانت درة التاج فيها اقتحام الأرشيف النووي الإيراني في ضواحي طهران. وكشفت الحملات الإسرائيلية ما كان يعرفه الكثيرون: إيران أوفت بالتعهدات التي أخذتها على عاتقها في الاتفاق الذي قاده أوباما. وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق كي لا يحسن الوضع بل وأدى إلى تحسن دراماتيكي في النشاط النووي الإيراني وتقدمها الكبير نحو إنتاج القنبلة. وذلك في ظل تفعيل أجهزة طرد مركزي متطورة لم تكن، وزيادة كمية اليورانيوم المخصب.

من كان نائب رئيس الموساد وشغل منصب رئيس منظومة العمليات فيه (محظور نشر اسمه) قال مؤخراً بشكل صريح إن خطوات نتنياهو أدت إلى فشل استراتيجي. كما شدد نائب رئيس الموساد على أن إدارة المعركة السياسية في هذا الشأن كانت فاشلة. لم يقلل من إنجازات الحملات التي كانت رائعة، ولكن بكلمات بسيطة شرح: انتصرنا في المعركة، وخسرنا الحرب.

من أراد الوقوف على سبب تعاظم المخاطر على أمننا ما دام نتنياهو في رئاسة الوزراء، فليقرأ ما قاله أحد أشجع وألمع مقاتلي إسرائيل. وحتى اسمه لا يعرفه الجمهور، وهو ليس مرشحاً للكنيست، ولا ناشطاً سياسياً، بل مجرد مواطن قلق كان في قلب معركة إسرائيل الفاخرة الشجاعة والجسورة، ويقول إن النتيجة فشل استراتيجي.

ما الذي نحتاجه أكثر كي نبعد هذا الرجل الهستيري عن بلفور؟

 

بقلم: إيهود أولمرت

معاريف 12/3/2021


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1954.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-25 03:04:24