شبكة الأمة برس | الهروب إلى الفضاء


الهروب إلى الفضاء

من المثير جداً، متابعة أخبار السفر إلى الفضاء، التي تؤكدّ لنا، كل يوم، أن الرحلات الجماعية إلى هناك، هي قاب قوسين، وما علينا سوى تجميع ثمن التذكرة، كي نفوز بالمغامرة.
الأمر ليس مجرد فانتازيا، ولا بالصعوبة التي نتصور. فالعمل حثيث من قِبل شركات عديدة ومتنافسة، صرفت مبالغ طائلة بهدف تحقيق هذا الحلم. وإذا كانت أشهر الأسماء البارزة في عالم زيارة الفضاء اسم جيف بيزوس صاحب «أمازون» الذي لم تعد تتسع له الدنيا، وإيلون ماسك مؤسس شركة «سبيس إكس»، لتصنيع مركبات الفضاء وتنشط منذ مطلع القرن الحالي، فإنهما ليسا وحدهما في الميدان. هناك «لوكهيد مارتن» و«نورثروب غرومان» و«بوينغ»، لمن يريد مراجعة لائحة الأسعار.
لكن يبقى بيزوس بشركته «أوريجين بلو» التي لم تحقق النجاح المبتغى وإيلون ماسك، هما المتنافسان الكبيران على لقبين أساسيين: «أغنى رجل في العالم»، و«أنجح رجل في تنظيم سياحة إلى الفضاء»، وهو ما دفع ببيزوس مؤخراً، للتخلي عن قيادة «أمازون» والتفرغ للمستقبل، من خلال شركته الفضائية «بلو أوريجين».
لا بد أن كثيرين تابعوا أخبار المصمم الياباني، الذي ينشر منذ أكثر من سنتين، أخبار حجزه مركبة للفضاء وتحضيراته للرحلة، ويطلب في كل مرة التقدم بترشيحات، ممن يهمهم الأمر لمرافقته بالمجان. والملياردير الياباني يوساكو مايزاوا هذا، الذي ينوي الانطلاق في 2023 مع شركة «سبيس إكس»، بعد تأجيل متكرر، يبدو أنه تنازل عن رغبته الأولى في إيجاد شريكة ترافقه، إثر طلاقه زوجته، ثم تنازل عن العثور على فنانين، ويكتفي حالياً بإيجاد ثمانية من الرفاق على استعداد لمساعدة أعضاء الطاقم. والرجل محق؛ فتجربة العيش في كبسولة خانقة لا تتعدى مساحتها المترين، مع مخلوقات غير ظريفة، هو أمر لا يطاق.
لا مزاح مع إيلون ماسك، فرغم طرافة ما يروي، واعتباره أحياناً، جزءا من الخيال العلمي، فإن صحيفة جادة مثل «لو فيغارو» الفرنسية لم تعد تنشر هذه المواضيع في قسم المنوعات والتسالي، ونقلتها إلى باب الاقتصاد، وصفحات السياحة والسفر، لمساعدة قرائها على اختيار وجهاتهم الترفيهية المستقبلية.
هذه السنة، قد نشهد أكثر من رحلة. والكبسولات الفضائية لن تتجاوز مدار الأرض، ولن ترتفع أكثر من 80 أو 100 كيلومتر في أحسن الأحوال. مهمة سهلة، جلّ ما يراه الملياردير المحظوظ، القادر على دفع ثمنها، ومعازيمه، البالون الأرضي الأزرق باستدارته وسط سماء مظلمة، في وضح النهار. ولتشجيع الركاب يتم إخضاعهم لثلاث دقائق، من تجربة انعدام الوزن، ويلتقطون صور السيلفي، قبل أن يعودوا أدراجهم. وما يرمي إليه إيلون ماسك، ولا يزال يتعثر، هو بلوغ 400 كيلومتر فوق سطح البحر. لكن هذا المهندس العاشق للفضاء، مني بنكسات متوالية بعد انفجار أكثر من صاروخ. حوادث أليمة بالنسبة له، تترتب عليها أعباء معنوية، وخسائر مادية محبطة. فعلى قائمة برنامج الشركة، حجزت رحلات عدة، وإن لم يحدد لها يوم الانطلاق بعد. هناك «إنسبيراشن 4» التي يفترض أن تقل الملياردير الشاب جاريد أيساكمان المولع بعالم الطيران، ويمولها حصرياً، مصطحباً معه أربعة أشخاص، يختارهم من بين آلاف من الأميركيين الذين قدموا ترشيحاتهم. «فيرجن غالاكتيك» أعلنت هي الأخرى عن تسيير أول رحلة سياحية تجريبية لها إلى الفضاء، من بين ركابها مؤسس الشركة ريتشارد برانسون، قبل أن تطلق لاحقاً، رحلتين أخريين تفتحهما أمام الراغبين في التجريب.
الطموحات كبيرة، وبقدر ما تبدو السياحة مشلولة بسبب الجائحة، يحاول هؤلاء المغامرون تنشيطها معلقة بين السماء والأرض. يبدو غريباً الكلام عن اتفاقات تم توقيعها لإقامة فندق وسينما، ومطعم ومنتجع، في محطة فضائية، تكون على علو منخفض، حتى قبل أن تصبح الرحلات جدية. لكن كل هذا لا يحدث بالصدفة. هناك عودة محمومة لتحريك السياحة الفضائية، ووعد الجماهير بمركبات يتم تطويرها لتقلهم جماعياً في جولات مثيرة، لم تكتب لمن سبقهم. الأجواء الخانقة على الأرض، تدفع باتجاه الهروب صوب المدار، وهذا على أي حال ما يأمله تجار الرحلات السياحية إلى هناك. الوضع الإنساني الكارثي، وعلى عكس المتوقع، قد يحمّس من جنوا المليارات، إلى الترفيه عن أنفسهم بطرق غير مألوفة، وهو ما يمني النفس به أصحاب المشاريع الطموحة.
الأميركيون ليسوا وحدهم من يشعرون بضرورة فتح الأفق في هذه اللحظة خاصة. فقد أعلنت «وكالة الفضاء الأوروبية»، ولأول مرة منذ 11 عاماً، عن رغبتها في دمج أعضاء جدد من الشباب الصغار في صفوفها، مع التأكيد على العنصر النسائي، ليشاركوا في رحلات إلى محطة الفضاء الدولية، مع وعد بإلحاقهم ببعثات القمر في فترة لاحقة.
هذه الأسفار التجارية إلى الفضاء ليست جديدة. قبل عشرين عاماً، قام الأميركي دينيس تيتو برحلة إلى إحدى المحطات الفضائية الدولية، وبقي فيها سبعة أيام مقابل 25 مليون دولار. من يومها لم تتغير الأسعار كثيراً، لكن السعي جارٍ لتخفيضها إلى مائتي ألف دولار، لتصبح في متناول عدد أكبر من الناس. كل هذا يحدث في وقت تشكو فيه الاقتصادات الكبرى من عاهات، ستكون طويلة الأمد، والأرواح من ندوب قد لا تشفى. إنما لولا الحالمون، والمجانين، لفنيت البشرية بؤساً وكمداً. وما يفعله هؤلاء، بينما السياحة الأرضية تقترب من الإفلاس الجماعي، قد يكون الثغرة التي ينفذ منها سكان البسيطة إلى الأمل.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1926.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-18 06:04:53