شبكة الأمة برس | بايدن وإيران.. اندثار "عقائد" أوباما


بايدن وإيران.. اندثار "عقائد" أوباما

ليس دقيقا استشراف السياسات التي ستعتمدها إدارة الرئيس جو بايدن بعد تنصيبه بناء على ما صدر عنه وعن المقربين منه إبان الحملة الانتخابية.

وليس اكتشافا أن المواقف قبل الانتخابات الرئاسية تستثمر في السياق الانتخابي وتوظف في ما من شأنه استدراج أصوات الناخبين، فيما قرارات الرئيس تتخذ وفق معطيات الدولة ومصالح البلد، وتأخذ بعين الاعتبار التزامات ساكن البيت الأبيض بصفته رئيس كل الأميركيين وزعيم الدولة الأكبر في العالم.

غير أن أمام جو بايدن في تعامله مع ملف إيران وقائع أخرى أكثر قسوة من كلام يسوقه مرشح للانتخابات الرئاسية شغل يوما منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، مهندس الاتفاق النووي. ولن يتأخر الرئيس الجديد وفريقه في استنتاج أن مقاربة أحد أكثر الملفات الدولية تعقيداً، لا تمر وفق منهج فكري متناسل من "عقيدة" أوباما، بل وفق الإقرار بالمسلمات التي باتت أمرا واقعا يتجاوز رؤى بايدن واستراتيجيات الولايات المتحدة نفسها.
والواضح أن دونالد ترامب أرسى قواعد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة باتت إرثا ثقيلا يصعب شطبه بمجرد دخول رئيس جديد إلى البيت. والجل الأعظم مما انتهجه الرجل في السياسة مع العالم ينهل مشروعيته من خطط المؤسسات الأميركية، سواء في جوانبها العسكرية الأمنية، أو تلك السياسية الدبلوماسية الاقتصادية.

في هذا الصدد فإن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 لم يكن خيار رجل العقارات دونالد ترامب، لكنه بات كذلك حين تحول إلى مرشح للانتخابات الرئاسية عام 2016 ينهل خطابه من زاد ما تمليه المؤسسات وتجده مصلحة أميركية. ولم يتمرد الرئيس المنتهية ولايته على السياسة الخارجية لأميركا، بل عبر عنها، بأسلوب جلف مختلف، سواء في مقاربة برنامج إيران النووي أو في التعامل مع كوريا الشمالية كما التعامل مع أوروبا والأطلسي وروسيا والصين.

سيكتشف بايدن ذلك سريعا، وسيستنتج في مراجعة بسيطة، أن سلفه عاد سريعا عن قراره الانسحاب من سوريا حين عارضته المؤسسات، وأنه التزم بحدود الضغط على إيران، مكتفيا بعملية عسكرية نوعية باغتيال قاسم سليماني، متجاوبا مع استراتيجية المؤسسة العسكرية بعدم الذهاب باتجاه حرب كبرى ضد إيران، وأن الرجل، لأسباب أميركية ربما لا يدركها، تَدرَّج في عقوباته ضد هذا البلد بما لا يُسقط نظامه، بل يحوله إلى هيكل مكشوف من الواجهات العسكرية والميليشياوية.

ولئن سيجد بايدن نفسه أمام "أمر واقع" أميركي جديد في هذا الملف مختلف عن ذلك الذي طوره وسعى وأوباما إليه مع إيران، إلا أنه سيصطدم بـ "أمر واقع" ميداني آخر بات على واشنطن أن تأخذه بالحسبان، وربما الامتثال لحقيقته.

والحال أن ما يشهده شرق سوريا مؤخرا من ضربات إسرائيلية شاملة وموسعة ضد مواقع وتحصينات إيران وميليشياتها، يفصح عن إرادة تعبر عنها إسرائيل بالنار لإزاحة الحضور العسكري الإيراني في سوريا، تجري وسط صمت عربي تركي روسي صيني يوحي بتقاطع مصالح متعددة لوقف تمدد طهران وقطع سبل جماعاتها في الجوار.

بالمقابل يعبر الموقف العربي المتطور عن إدراك لفرض "أمر واقع" وجب على إدارة بايدن الانتباه إليه. تود المجموعة الخليجية بعد قمة العلا أن يكون لبلدان المنطقة الكلمة الفصل في مستقبل أي تطور في علاقة واشنطن بطهران. بدت أيضا تصريحات السفير المصري في واشنطن لافتة في هذا الصدد تعكس تطورا نوعيا داهما في موقف القاهرة. وينشط تواصل عربي عربي للوصول إلى موقف واضح لا لبس فيه، في شأن الحاجة إلى تخليص المنطقة من "الاستثناء" الإيراني وهو المصدر الوحيد لحالة العبث والفوضى في دول مثل اليمن ولبنان والعراق، كما حالة تعذر الوصول إلى أي تسوية مقبولة دوليا في سوريا.

وإذا ما كانت دول المنطقة، على اختلافها، تحاول فرض "أمر واقع" لا يمكن لواشنطن الالتفاف عليه، فإن إيران بدورها، وقد أدركت هذا التحول، ذهبت في الأسابيع الأخير إلى عرض "أمرها الواقع" على الإدارة الجديدة في واشنطن ورئيسها.

لا يهم طهران مستوى الخسائر التي تتكبدها قواتها وميليشياتها في سوريا، بقدر اهتمامها بعرض انتشارها في دول المنطقة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) ومياه الخليج الدولية، وقدرتها على امتلاك أدوات التدمير والتعطيل والتخريب، حتى وإن كانت تدرك استحالة انتصارها في أي من معاركها المرتجلة.

ووفق سياق التوق لفرض "الأمر الواقع"، ترفد إيران جهودها الميدانية (مناوراتها العسكرية مثالا)، بمروحة من المواقف والتصريحات الصادرة عن كل الطبقة الحاكمة، ابتداء من المرشد مرورا برئيس الجمهورية ووزير خارجيته انتهاء بجنرالات الحرس الثوري، تكرر رفض التفاوض حول البرنامج النووي قبل رفع الولايات المتحدة لعقوباتها، كما الرفض الكامل لأي مفاوضات تطال ملف برنامجها للصواريخ الباليستية، لا بل تعرض في الأسابيع الأخيرة فعالية وأخطار هذه الصواريخ، سواء في ما استهدف السعودية وما استخدم في المناورات العسكرية.

وإذا ما كانت أطراف الصراع في المنطقة، بما في ذلك إيران نفسها، قد أدلت بدلوهم في ما يريدونه من أي تسوية أميركية إيرانية محتملة، فإن ما صدر عن إدارة بايدن المفترضة لا يعدو كونه أفكارا عامة تجريبية لا ترقى إلى مستوى الاستراتيجية الممكن البناء عليها. والحال أن بايدن وصحبة سيجدون في المنطقة وقائع جدية خطيرة ستفرض على واشنطن خيارات واضحة حاسمة وربما موجعة تستمع بانصات إلى صوت الحلفاء في العالم.

وفي التحولات أمام واشنطن أن باريس على لسان وزير خارجيتها تقول إن عودة واشنطن للاتفاق مطلوبة لكنها لا تكفي. بايدن وصحبه باتوا يدركون أيضا "أمر واقع" جديد في أوروبا.

 

*كاتب لبناني
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1753.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 10:03:37