شبكة الأمة برس | أميركا: صراع الانتخابات والهوية


أميركا: صراع الانتخابات والهوية

في كل مكان، صراع الانتخابات وقتي وسريع، وصراع الهويات عميق ومتجذرٌ. الأول ينتهي بانتهاء الانتخابات بانتظار استحقاقاتٍ أخرى، والثاني طويل وممتد، ويأخذ مساراً مستمراً مع حراك التاريخ ومسيرته، ولا يكاد ينتهي أبداً. هذا التفريق مهمٌ لمن يراقب الانتخابات الأميركية، وكأنها نهاية التاريخ كما كتب فرانسيس فوكوياما مرةً قبل أن يتراجع عن ذلك الزعم لاحقاً بعدما ازداد علماً وحكمةً.
هل الصراع بين الأوبامية والترامبية هو صراع شخصي بين أفراد أم أنه صراعٌ بين هوياتٍ متعددة لأميركا ما زالت تعتمل تحت السطح بين فئات الشعب ونخبه ومفكريه، بمعنى أنه صراعٌ فلسفيٌ عميقٌ لا تستطيع الأفكار السطحية ولا الآنية التعامل معه.
من الخطأ الاعتقاد بأن ترامب طارئٌ على التاريخ الأميركي، فهو امتداد طبيعي لأميركا منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، والطارئ في الحقيقة هو أوباما وتياره الذي خلقه داخل الحزب «الديمقراطي»، حيث فتش أوباما عمّا قبل الحرب حتى وجد ضالته في تيار الانعزالية الذي كان سائداً في عشرينيات القرن المنصرم وثلاثينياته، حتى هزمه الرئيس روزفلت هزيمة قويةً ودخلت أميركا الحرب وتغير تاريخ العالم.
أوباما طارئ على التاريخ الأميركي لأنه انحرف بالسياسة الأميركية عن مسارها الطبيعي وأخضع أقوى امبراطورية في التاريخ لخصومها من روسيا إلى الصين وتحالف مع النظام الثيوقراطي الإيراني ومع الأصولية، التي تمثلها جماعة «الإخوان» المسلمين وتدعمها تركيا ودولة خليجية صغيرة، والتيار الأوبامي تيارٌ يميل بشدة نحو اليسار، الذي ظلت أميركا والدول الغربية تحاربه طوال الحرب الباردة حتى هزمته وسقط الاتحاد السوفييتي، وجاء أوباما ليخضع أمام بوتين في جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وفي سوريا.
ربما لو لم تأت الأوبامية بكل ذلك الانحراف لا ستمر الصراع السياسي الأميركي بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» طبيعياً دون طفراتٍ خلقت انقساماً غير مسبوقٍ في أميركا، فالترامبية هي ردة فعلٍ طبيعيةٍ في منطق التاريخ على محاولة تغيير هوية أميركا إلى هوية خصومها كما هو مشروع أوباما ونائبه بايدن، الذي هو المرشح للرئاسة مقابل ترامب.
ستخرج نتائج الانتخابات خلال أيامٍ معدودةٍ، وينتهي صراع الانتخابات، ولكن صراع الهوية لن ينتهي أقلّه في المدى المنظور، لأن الأمم تتغير ضمن حركة التاريخ الطويلة لا بحسب نتائج صغيرة هنا أو هناك، والصين على سبيل المثال أمة عريقة في التاريخ لآلاف السنين، ومن الجناية اعتبار تاريخ الصين الشيوعية، هو كل تاريخ الصين أو هو هويتها الوحيدة.
والسؤال المهم هنا هو أليس هناك فرقٌ بين فوز ترامب أو بايدن على هذا المنطق؟ والجواب هو بلى الفرق كبيرٌ، وله تأثيراتٌ متباينة على أميركا وعلى العالم، والتوجهات السياسية لرئيس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ لها حضورها القوي لدى كل دول العالم وأممه وشعوبه، ولكنها على الرغم من ذلك كله ليست الوحيدة، وحين تصطدم مصالحها مع مصالح الدول الأخرى فكلٌ يدافع عن مصالحه بحسب المعطيات والظروف.
كتب الكاتب الأميركي المميز من أصل إيراني «والي نصر» حول هذا السياق كتاباً مميزاً يعبّر اسمه عن مضمونه مع التأكيد على أن الأفكار لها تفاصيل كثيرة غير المسميات، واسم كتابه هو «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها، السياسة الأميركية في حالة تراجع».
أخيراً، فثمة سؤال آخر لا يقل أهميةً وهو، أليست أميركا مضرة حين تعادي؟ والجواب بلى أيضاً، ولا أحد يشتري عداوة الأقوياء ما لم يكن مضطراً لذلك، والضرورة تأتي حين يعتقد القوي أن حلفاءه أتباعٌ بلا قيمة ولا قوةٍ، وهو ما سيتضح على مستوى الصراعات الدولية بعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية الحالية.

-المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1400.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 01:03:06