شبكة الأمة برس | ذروة "الضغط الأقصى" وهوة الهدف الوحيد


ذروة "الضغط الأقصى" وهوة الهدف الوحيد

الصراع  الأميركي - الإيراني يتوسع على جبهات عدة. لكن الهدف الذي حددته إدارة الرئيس دونالد ترمب لا يزال دفع طهران بكل وسائل الضغط إلى التفاوض على اتفاق جديد بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي أيام الرئيس باراك أوباما. وعشية الانتخابات الرئاسية، وصل ترمب إلى الذروة في سياسة "الضغط الأقصى" على إيران: إعادة فرض العقوبات الأممية التي جرى رفعها بعد التوصل إلى الاتفاق بين إيران من جهة وأميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا من جهة أخرى. كيف؟ بتفعيل بند "سناب باك" في الاتفاق الذي يسمح بإعادة فرض العقوبات تلقائياً من دون قرار جديد في مجلس الأمن إذا خرقت إيران التزاماتها بموجب الاتفاق. وطهران أعلنت أنها تجاوزت التزاماتها رداً على انسحاب الولايات المتحدة وعلى التردد الأوروبي في حمايتها من العقوبات الأميركية. لكن بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تجاري أميركا في ذلك، وتكرر التذكير بأنها لم تعد عضواً في الاتفاق النووي و"لا شرعية لإعادة فرض العقوبات". كذلك هو موقف روسيا والصين، وسط تنديد طهران بخطوة واشنطن والتذكير بأن "عليها التزام اللوائح والأعراف الدولية". أما إدارة ترمب، فإنها تهدد بمعاقبة أي عضو في الأمم المتحدة يمتنع عن إعادة فرض العقوبات الأممية. وهي قادرة، أقلّه، على تخويف الشركات التي تتعامل مع إيران إلى أي دولة انتمت، بحيث تجد كل شركة نفسها أمام خيار صعب: التعامل مع أميركا أو مع إيران.

لكن مشكلة الولايات المتحدة أنها تستخدم ذروة "الضغط الأقصى" من أجل هدف وحيد: عودة إيران إلى الطاولة للتفاوض على اتفاق نووي جديد يتضمن قيوداً أكبر عليها. من إلغاء "بند الغروب" الذي يسمح لطهران بشراء الأسلحة بعد سنوات من التزام الاتفاق، ثم تقييد إنتاجها للصواريخ الباليستية إلى "كبح النفوذ" في الشرق الأوسط. وهو ما ترفضه طهران، وما لا تعرف واشنطن ما الذي تفعله إذا استمر الرفض.

قبل سنوات، كتب الخبيران الأميركيان من أصل إيراني والي نصر وراي تقية مقالاً في "فورين أفيرز" جاء فيه: "ما يقرر ميزان القوى في الشرق الأوسط ليس قضية فلسطين بل مصير الدول الفاشلة في أفغانستان والعراق ولبنان، حيث النفوذ الإيراني مؤهل للتوسع". وهما حذّرا من أمرين: أولهما "مواجهة إيران بتطوير تطرف سني لأن ذلك هزيمة ذاتية لواشنطن". وثانيهما "التصور أن تحالفاً عربياً - إسرائيلياً يمكن أن يحتوي إيران، لأنه عملياً يغرق أفغانستان والعراق ولبنان في فوضى أكبر ويقوّي الراديكالية الإسلامية، ويدفع أميركا إلى الحفاظ على وجود عسكري دائم في المنطقة".

وفي عدد مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2020 من المجلة نفسها، عاد راي تقية إلى كتابة مقال مع إريك أدلمان، الوكيل السابق لوزير الدفاع الأميركي للسياسة تحت عنوان: "الثورة الإيرانية التالية". الفكرة الأساسية في المقال هي: "لماذا لا تعمل واشنطن على تغيير النظام؟". والمبرر هو أن كل أنواع المقاربات التي مارستها أميركا مع طهران منذ الثورة الإسلامية فشلت. من مبادلة السلاح بالرهائن أيام رونالد ريغان إلى الاتفاق النووي البائس أيام أوباما، مروراً بمحاولات بيل كلينتون الفاشلة للوفاق مع طهران والحوار حول أفغانستان والعراق أيام جورج بوش الابن. والسبب هو أن "النظام يبقى حركة ثورية لن يتكيّف مع أميركا، لن يصبح حامل أسهم في المنطقة ولن يسمح بمعارضة سياسية منظمة ولن يتخلى عن طموحاته النووية، ولن يعترف بأي مصلحة أميركية في المنطقة". والخيار الضروري هو "تغيير النظام". وهذا "ليس فكرة راديكالية أو طائشة بل أكثر الأهداف البراغماتية والفعالة لسياسة أميركا تجاه إيران". لكنه "لا يعني غزو إيران عسكرياً بل استخدام كل أداة لتقويض دولة الملالي بما فيها المساعدة السرية للمنشقين". فما "تستطيعه أميركا ليس إسقاط النظام الإسلامي بل الإسهام في الظروف التي تجعل ذلك التغيير ممكناً".

ولا شيء يوحي أن أميركا مستعدة لذلك. فهي مصرّة على خيار وحيد اسمه "تغيير سلوك" النظام. وترجمة ذلك في طهران هي تغيير النظام لأن النظام والسلوك واحد، فالنفوذ الإيراني في المنطقة وصنع الصواريخ الباليستية جزءان عضويان من بقاء النظام. وليس من المألوف أن تستخدم قوة عظمى كل ما لديها من وسائل الضغط على قوة إقليمية من أجل هدف وحيد لا يمكن تحقيقه إلا بقبول القوة الإقليمية. غير أن ذلك ما تفعله إدارة ترمب، واضعةً على الطاولة ملفاً وحيداً هو التفاوض حتى من دون التهديد بالخيار العسكري. وهذه وصفة لاستمرار الستاتيكو، لا تغيير سلوك ولا تغيير نظام. فالمرشد الأعلى علي خامنئي يكرر التذكير بأن "العداء لأميركا من أسس الثورة" بحسب الإمام الخميني. وأميركا المصرّة على خنق إيران للاتفاق معها تبدو مصرّة في الوقت ذاته على الامتناع أو العجز عن فهم إيران.

 

*كاتب لبناني


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1198.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 05:03:55