شبكة الأمة برس | كيف نجح بايدن في إخراج ورقته الرابحة وزجه ترامب في الزاوية؟


كيف نجح بايدن في إخراج ورقته الرابحة وزجه ترامب في الزاوية؟

إن قرار المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، جو بايدن، تعيين السيناتورة من كاليفورنيا، كمالا هاريس، نائبة للرئيس، هو قرار منطقي ومتزن ومحسوب، وبالأساس متوقع. بايدن فحص واختبر والتقى وتشاور وتردد وندم وأعاد الفحص من جديد، ثم اتخذ قراره. بعد أربع سنوات من الفوضى والنزوات فوق قطار الشياطين التي هي فترة ولاية دونالد ترامب، تحمل عملية بايدن في اتخاذ القرارات المتسامحة والمنهجية رسالة مهمة بحد ذاتها: يذكّر بأن هكذا يجب أن يتصرف الرئيس الجدي.

من بين الأشخاص الكثيرين الذين فحص بايدن تعيينهم في هذه الوظيفة فقد أغلقت هاريس الزوايا الاستراتيجية الأكثر أهمية، وتسمح له بأن يسجل كسياسي رائد في التاريخ، وضع إلى جانبه المرأة السوداء الأولى التي تتنافس على منصب الرئيس أو نائب الرئيس من أحد الأحزاب الكبيرة. وقد أثار لدى كثير من الأمريكيين المؤيدين له مشاعر الرضا والفخار، التي تحولت مؤخراً إلى مشاعر نادرة.

خلافاً للعادة لدى مرشحين أكثر شباباً للرئاسة، لم يكن بإمكان بايدن الاكتفاء بوضع مرشحة باهتة في وظيفة نائب الرئيس حتى لا تعتم عليه. وقلق المصوتين بخصوص عمره المتقدم أجبر المرشح الديمقراطي على تعيين سياسية أكثر تأهيلاً وتجربة، ليس فقط للوقوف إلى جانبه، بل أيضاً لاستبداله عند الحاجة. تعدّ هاريس، التي راكمت وعياً ودعماً وتقديراً أثناء تنافسها الفاشل على الرئاسة، في نظر كثيرين أكثر أهلية للرئاسة من الجميع. واختيارها من قبل بايدن يضعها على رأس قائمة المرشحين المحتملين لاستبداله، سواء كمرشحة الحزب للرئاسة أو كرئيسة هي نفسها.

 جاء تعيينها نائباً للرئيس وليد قرار استراتيجي استغله بايدن كي يعزز الجناح المركزي للحزب، الذي تحظى فيه هاريس بشعبية كبيرة، ثم مغازلة جمهوريين معتدلين ملوا من ترامب ويحتاجون إلى دفعة أخيرة. توصل بايدن إلى استنتاج بأن الفائدة التي سيجنيها من تعيين مرشحة تغمز للوسط واليمين المعتدل، أكبر بما لا يقاس من الضرر الذي يمكن أن يحدث له في الجناح التقدمي للحزب، الذي يعدّ أعضاؤه جمهوراً مأسوراً رغم خيبة أملهم. إن الرد الإيجابي لرؤساء المعسكر، ومن بينهم بيرني ساندرز واليزابيث فيرن، يترك للمرشح الديمقراطي أملاً للمصالحة السريعة مع مصوتيه من اليسار ومجيئهم إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التي ستجري في 3 تشرين الثاني.

 

       تسير في الطريق الصحيح

أخذ بايدن في الاعتبار “سياسة الهويات” السائدة في الحزب الديمقراطي، واختار نائبة تختلف عنه في جوهرها في كل ما يتعلق بالجنس، لون الجلد وأصلها الجغرافي، بايدن من الشرق وهاريس من الغرب. لقد اختار مرشحة شابة وأكثر حدة ووضوحاً منه. ويجب القول في صالحه بأنها هاجمته بشدة طوال المناظرات التلفزيونية للانتخابات الديمقراطية التمهيدية في كل ما يتعلق بالمواقف والاعتقادات والآراء. مع ذلك، اختار بايدن أن يطرح جبهة أيديولوجية معتدلة وموحدة، جبهة تحيد ادعاءات خصومه بأن حزبه تحول إلى وكر للثوريين المتطرفين الذين يريدون تخريب البلاد.

بهذا المعنى، يضع تعيين هاريس تحدياً صعباً أمام ترامب، الذي لم ينجح في إخفاء الاشمئزاز من النساء السود الديمقراطيات، واعتاد على تسميتهن بـ “سيئات وغبيات ومزعجات”. وإهانة مرشحة ديمقراطية، التي هي امرأة وسوداء، ستستقبل برضى في قاعدة ترامب وأوساط العنصريين في حزبه. ولكن هذا هو موضوع أيام أو ساعات إلى أن يلصق ترامب بهاريس لقباً يثير الغضب أو صفة فظة تثير غضب ديمقراطيين، وجمهوريين بارزين.

في السياق نفسه، قد يسهل الأصل العرقي لهاريس إقناع الناخبين المترددين. فهاريس تناسب مربع المرأة السوداء، لكن خلفيتها ليست عادية: والدها من جمايكا ووالدتها من أصل تاميلي في الهند. والجمهوريون يجدون صعوبة في هضم نائبة رئيس سوداء، ويمكنهم التركيز على كون هاريس ابنة مهاجرين، هاجرت من القمامة إلى العظمة، حسب كل قواعد طقوس “الحلم الأمريكي”. وغني عن القول أن الهنود سيتدفقون إلى صناديق الاقتراع.

السجل الشخصي لهاريس، التي شغلت منصب مدعية عامة في ولاية سان فرانسيسكو ومدعية عامة في ولاية كاليفورنيا قبل انتخابها في 2016 لمجلس الشيوخ، قد تغمز لناخبي الوسط المهتمين بالقانون والنظام. انتقاد اليسار لمقاربة هاريس الهجومية كمدعية عامة أمام متهمين جنائيين، بمن فيهم سود، سيقدم لها هوية استقامة في أوساط ناخبين أكثر يمينية. بهذا المعنى، تسير هاريس في الطريق الصحيح بين اعتراف معظم الجمهور الأمريكي بالتمييز ضد السود والحاجة إلى إصلاحات في معاملة الشرطة معهم وبين الخوف من أن المظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في أعقاب قتل جورج فلويد، ستؤدي في النهاية إلى العنف وفقدان السيطرة.

لسان هاريس السليط وردودها السريعة الحادة قد تغطي على كون بايدن عيياً ومبالغاً، وهي صفات تميزه منذ دخوله السياسة، ثم ازدادت مع مرور الوقت. عندما تكون هاريس في الميدان، على ترامب أن يكون متوتراً: سترد على إهانته وستكيل له الصاع صاعين. ووضعها كمرشحة لمنصب نائب الرئيس كان يكفي لإثارة التوقعات بخصوص المواجهة بينها وبين النائب الحالي مايك بينيس، التي ستجري في بداية تشرين الأول. يتوقع مؤيدوها معركة دراماتيكية وحشية، ستحظى باهتمام كبير وستنتهي بالضربة القاضية ويبقي بينيس على الأرض ويعزز فرص بايدن.

ويتوقع أن يستقبل التعيين أيضاً بمباركة الأغلبية اليهودية التي تصوت للديمقراطيين، ويتحفظ من المتطرفين ويتماهى بشكل عام مع مواقف الجناح المعتدل والمؤسسة الحزبية. هاريس متزوجة من يهودي، وتقيم علاقات اجتماعية شجاعة مع الجالية اليهودية في كاليفورنيا، وتحظى بدعم مالي سخي من متبرعين يهود ديمقراطيين معروفين ومشهورين، كما أنها مثل بايدن… خبيرة بما فيه الكفاية بالواقع اليهودي وباليهودية، لا لتحظى بأصوات اليهود فحسب، بل لتأسر قلوبهم.

تعيين هاريس يهدئ مخاوف اللوبي المؤيد لإسرائيل، والأيباك، ومؤيدي إسرائيل في الحزب الذين يخشون من تأثير الراديكاليين المتزايد على مواقف الحزب وتغييرها لصالح الفلسطينيين وضد إسرائيل. وهاريس أيضاً مثل بايدن… تعتبر مؤيدة لإسرائيل في الأساس، ومقربة من الأيباك، وربما أكثر مما هي مقربة للوبي الحمائمي “جي ستريت”. لكن هذا لن يهدئ اليمين اليهودي في أمريكا ولن يسكت مخاوف بنيامين نتنياهو، التي لا تميز بين من ينتقدون سياستهم بشكل خاص ومن يكرهون إسرائيل بوجه عام. من يعارضون نتنياهو سيتسلحون مسبقاً بالفوشار قبل المواجهة الكلامية الأولى بين هاريس ونتنياهو، التي ستقوم فيها هاريس، هكذا يأملون، بجلد رئيس الحكومة دون رحمة بلسانها السليط.

على أي حال، ثمة تجديد لدى الديمقراطيين في الأيام القريبة. بعد أن بدأ بايدن بالتعرض للانتقاد بسبب تأجيل قراره، فسيحصل على نقاط عن عمله الممأسس وبالأساس على نتيجته الناجحة. تعيين نائب الرئيس بشكل عام يرفع بشكل مؤقت أسهم من عَين ومن عُيّن، خاصة حين يدور الحديث عن تعيين أدى إلى تنفس الصعداء في أوساط ديمقراطيين خافوا من “تذكرة راديكالية” فورية أو من اندلاع غضب من جانب من خاب أملهم. هذا التعيين يمنح الديمقراطيين هالة من الزخم والتجديد، خاصة بالمقارنة مع الترشيح الباهت والمتكرر لبينيس.

ليس غريباً أن تزداد الضغوط على ترامب بعد قرار بايدن، لعزل بينيس وتعيين ميكي فيلي، ذات الشعبية، بدلاً منه. ويدرك الجمهوريون أيضاً أن بايدن قد سحب الورقة الرابحة من كمه ووضع ترامب في الزاوية. ويأملون أن يرد الرئيس بصورة متزنة ومنطقية نحو التغيير، لكن التجربة مع ترامب تعلم بأن رده سيكون معاكسا تماماً: هستيري وباطل ويثير الغضب وضار. يصلي الديمقراطيون من أجل أن يرد ترامب بوحشيته المتميزة، وبذلك، يقرب بايدن من البيت الأبيض وهاريس من مكتب نائب الرئيس في المبنى المجاور.

 

بقلم: حيمي شليف

 هآرتس 13/8/2020


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-1031.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-28 10:03:01