ترمب قادم والأفضل أن نكون مستعدين
2024-02-11
بيتر ويستماكوت
بيتر ويستماكوت

زعم دونالد ترمب بالوقاحة التي تميزه، أن الهجوم المميت الذي نفذته ميليشيات موالية لإيران على القوات الأميركية في الأردن – على غرار فظائع "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وحتى حرب فلاديمير بوتين العدوانية ضد أوكرانيا – لم يكن ليحدث أبداً لو كان هو رئيساً.

لا دليل يشير إلى أن أياً من هذا صحيح. لكن هذه المحاولات التي قام بها ترمب لاحتلال العناوين الرئيسية تضيف إلى الضغط الذي يتعرض إليه جو بايدن للوقوف بقوة في وجه المعتدين؛ وتظهر نتائج التجمعين الحزبيين في ولاية أيوا وجولتي الانتخابات التمهيدية في نيوهامبشير  أن عدداً كبيراً من الناخبين الجمهوريين لا يزالون يريدونه أن يكون مرشحهم ورئيس أميركا المقبل.

هذا لا يعني أن ترمب من المرجح أن يفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستتزامن هذا العام مع ليلة غاي فوكس [في المملكة المتحدة والتي تحيي ذكرى فشل محاولة انقلابية عام 1605]. فأداؤه لم يكن جيداً في نظر المستقلين الثلاثاء الماضي، ويبدي بعض الجمهوريين حتى عدم ارتياح للتصويت لمرشح ربما يكون قد أُدِين بحلول ذلك الوقت ببعض الجرائم الـ91 التي يُتَّهَم بها – بما في ذلك التحريض قبل ثلاث سنوات على تمرد كان على وشك نسف ديمقراطية بلاده أكثر مما فعل غاي فوكس قبل 400 سنة.

لكن استطلاعات الرأي تمنح ترمب تقدماً بفارق كبير على بايدن، الذي سيكون مرشح الحزب الديمقراطي – مرة واحدة فقط فشل رئيس حالي في تأمين ترشيح حزبه لولاية ثانية. ويمكن لحفنة من المستقلين الهامشيين المشاركين أيضاً في السباق أن تعزز موقف ترمب من خلال جذب الأصوات التي كانت ستذهب إلى بايدن.

يمكن أن تتغير أشياء كثيرة في الأشهر التسعة من الآن وحتى يوم الانتخابات: فالاقتصاد الأميركي ينمو في شكل أسرع من المتوقع، وتسجل أسعار الأسهم مستويات قياسية، وينخفض معدل التضخم، ما يضيف إلى سجل بايدن القوي بالفعل (ولو غير المقدّر) في المجال الاقتصادي. ويستمتع الديمقراطيون بمقاطع فيديو (حقيقية) تظهر ترمب وهو يثرثر في شكل غير متماسك، كرد على مزاعم الجمهوريين بأن بايدن لا يصلح لتولي ولاية ثانية.

والأهم، يلحق دعم أميركا غير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة ضرراً كبيراً ببايدن لا سيما في صفوف الناخبين الشباب والمسلمين، ويتزايد التعب من أوكرانيا، ويبرز احتمال حقيقي بعودة ترمب إلى البيت الأبيض في غضون سنة (فضلاً عن الاحتمال القوي بأن يرفع صوته بالشكوى مرة أخرى إذا خسر).

وفي خطاب ألقاه قبل وقت قصير من مغادرته منصبه، أشار الرئيس أوباما إلى أن أياً من الرؤساء لم يتغير حقاً عندما تولى المنصب. بدلاً من ذلك، فإن المنصب "يضخم ما يكون عليه الشخص بالفعل". خلال ولاية ترمب، التي لم يكن في شكل مفهوم مستعداً لها لأنه لم يكن يعتقد حتى بأن لديه أملاً في الفوز إلا قبل أيام قليلة، بذل بعض الجمهوريين ذوي الخبرة قصارى جهدهم لإبقاء غرائزه تحت السيطرة، وأفعاله من ضمن حواجز اللياقة المؤسسية. لكنهم لم يتمكنوا من منعه من أن يصبح أكثر مما كان عليه بالفعل.

هذه المرة، يتوقع ترمب الفوز وسيحيط نفسه بمؤمنين بحركة "جعل أميركا عظيمة مجدداً" يكون ولاؤهم لرئيسهم أكبر من ولائهم للجمهورية. نتوقع منهم أن يكونوا سعداء لمد يد المساعدة في تعزيز أهدافه المعلنة المتمثلة في الانعزالية، والحمائية، وإنكار أزمة المناخ، والتوصل إلى اتفاق مع بوتين، ومعاقبة الأعداء السياسيين، وتسييس القضاء والخدمة المدنية والجيش، وإضعاف المؤسسات الدولية التي ساعدت في الحفاظ على أجزاء كثيرة من العالم آمنة وحرة على مدى السنوات الـ75 الماضية.

ويترتب على ذلك أنني لا أتفق مع جاكوب ريس-موغ وبوريس جونسون على أن عودة ترمب ستكون جيدة لبريطانيا. لكننا بحاجة إلى الاستعداد لهذا الاحتمال. في الأشهر المقبلة، نحتاج إلى مواجهة الميول الانعزالية الترمبية من خلال بذل مزيد من الجهد مع شركائنا الأوروبيين – وغيرهم ممن يقفون على الحياد – لإظهار أن بريطانيا و(بخاصة) أميركا ليستا البلدين الوحيدين اللذين يمنحان أوكرانيا الوسائل لمقاومة عدوان بوتين.

لقد شعر الديمقراطيون والجمهوريون لسنوات – أتذكر ذلك جيداً من محادثاتي مع الرئيس أوباما وحكومته – بأن الأوروبيين لا يتحملون نصيبهم من عبء حماية الديمقراطيات والقيم الغربية ضد الأعداء المحتملين مثل روسيا، ولا يفعلون ما يكفي للحفاظ على مستويات مناسبة من الاستعداد العسكري. هم ليسوا على خطأ. إن حلف شمال الأطلسي تحالف جماعي، وليس ضمانة أميركية أحادية الجانب للحفاظ على سلامة بقية البلدان الأعضاء.

وهذا يعني إعطاء دفعة إلى مشترياتنا الدفاعية، والبناء على العلاقات الأفضل التي تطورها بريطانيا مع شركائها في الاتحاد الأوروبي الآن بعدما لم يعد لدينا رؤساء وزراء يعتقدون بأن السيادة تعني إهانة نظرائهم في المقلب الآخر من القنال الإنجليزي. لن نعود إلى السوق الموحدة أو حتى الاتحاد الجمركي في أي وقت قريب، لكننا نستطيع تقليل العرقلة في تجارتنا في شكل تدريجي وتعزيز التعاون مع جيراننا بطرق تظهر لأميركا، والناخبين الأميركيين، أن الأوروبيين حلفاء صالحون ومستعدون للقيام بدورهم. وحتى خارج الاتحاد الأوروبي، يمكننا، بل وينبغي لنا، أن نفعل أشياء كثيرة معاً في مجالات الدفاع، والسياسة الخارجية، وأمن الحدود، وسفر الطلاب، ومكافحة الإرهاب، وسياسة الطاقة، وبعد.

لفترة طويلة، تعود إلى قرارنا بعدم الانضمام إلى سلف الاتحاد الأوروبي في خمسينيات القرن العشرين، وعدم تكرار الفشل الذريع الذي عانينا منه خلال أزمة السويس عام 1956 عندما سعينا إلى العمل من دون دعم الولايات المتحدة، تُعَد المملكة المتحدة راضية على نطاق واسع عن اتباعها قيادة الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية. إذا تولى رئاسة الولايات المتحدة شخص لا يريد العمل مع الحلفاء، وقد لا يشاركنا قيمنا وأهدافنا الاستراتيجية في أوكرانيا والشرق الأوسط وآسيا، مثلاً، ستدعونا الحاجة إلى تعديل تفكيرنا وتخطيطنا. وبالفعل، يبدو من غير المرجح في شكل متزايد أن يصوت الكونغرس لمصلحة ضخ الأموال الجديدة التي يسعى بايدن إلى توفيرها لأوكرانيا (وإسرائيل).

إذا فاز ترمب، يجب على رئيس وزرائنا – أياً كان بحلول ذلك الوقت – أن يفكر بعناية قبل الاندفاع عبر المحيط الأطلسي في محاولة يائسة معتادة ليكون أول أجنبي يرى الرجل الجديد في المكتب البيضاوي. لم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة إلى تيريزا ماي، ولم يقدم إليها ترمب أي خدمة عندما أعطاها، بتشجيع من مؤيدي بريكست، نصائح علنية سيئة حول كيفية التفاوض مع بروكسل.

لا ينبغي التفكير في دعوة ترمب إلى القيام بزيارة دولة ثانية إلى المملكة المتحدة. يجب أن نحافظ على الاتصالات الوثيقة القائمة بين القوات المسلحة والبرلمانيين ورجال الأعمال والقادة الثقافيين في الجانبين، لكن يجب علينا أيضاً، للأسف، إعداد دفاعاتنا إذا نفذت إدارة ترمب تهديدها بفرض تعرفة تبلغ نسبتها 10 في المئة على الواردات كلها.

لا تزال هناك أشياء كثيرة يجب أن نحاول الحصول عليها في كل من الانتخابات الأميركية وانتخاباتنا هذا العام (إن لم يكن في الانتخابات التي ستجرى في روسيا). لا يمكننا فعل الكثير للتأثير في الحملات خارج بلدنا. لكن يمكننا، بل ويجب علينا، أن نكون مستعدين.

سير بيتر ويستماكوت سفير بريطاني سابق لدى الولايات المتحدة

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي