إلغاء استقلال كشمير الذاتي مجازفة قد تأتي بنتائج عكسية
2019-08-31
ظفر الإسلام خان
ظفر الإسلام خان

بدأ شهر أغسطس/آب/آب الجاري في وادي كشمير بكثير من النشاط لأنه من الأشهر القليلة التي يمكن أن يكسب فيها الكشميريون من السياحة التي تُعتبر أكبر مصدر لدخل عامة الكشميريين قبل حلول الشتاء الطويل القارس. وكان مئات الألوف من الزوار الهندوس القادمين من كل أنحاء الهند لزيارة كهف "أمارناث" المقدس مستمرين في رحلتهم الطويلة إلى حيث يوجد بأعإلى الجبال، وكانت فنادق كشمير والقوارب الفندقية في بحيرات كشمير مليئة بالسياح.

في هذه الأجواء؛ فجأةً بدأت الهند ترسل المزيد من القوات إلى وادي كشمير المكتظ أصلا بالجنود، وصدرت أوامر لزوار "أمارناث" والسياح وحتى الطلبة غير الكشميريين في جامعات وكليات الوادي، بمغادرته خلال يومين. وكانت الحجة الرسمية هي أن إرهابيين قادمين من باكستان سيشنون هجمات على زوار "أمارناث".

واحتار الناس من هذه الإجراءات غير العادية واستنتجوا أن شيئا كبيرا سيحدث في كشمير. وفي صباح 5 أغسطس/آب/آب وقف وزير الداخلية الهندي أميت شاه في البرلمان الهندي ليعلن إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، وتقسيم ولاية جامو وكشمير إلى "منطقتين اتحاديتين" أي تابعتين مباشرة للحكومة المركزية.

 

خطوة صادمة


كانت الخطوة قنبلة لم تفق الهند من آثارها إلى الآن، بينما كانت الغالبية العظمى من الكشميريين لا تعرف شيئا عما جرى لولايتها، إذ كان قد تم تحويله إلى سجن كبير منذ أوائل هذا الشهر، وأعلِن حظر التجول في كل الولاية مع قطع كل قنوات الاتصال بها من هواتف وإنترنت وخدمات تليفزيون، وجرى نشر القوات الهندية النظامية في كل مكان مع نزع سلاح الشرطة الكشميرية (المتكون في غالبيته العظمى من الكشميريين)، وفصلت مناطق عن بعضها بالأسلاك الشائكة، وسُجن مئة من كبار السياسيين والنواب الموالين للهند.

أما الزعماء الانفصاليون فهم بالفعل -منذ شهور وبعضهم منذ سنوات- في السجون أو تحت الإقامة الجبرية في بيوتهم، كما قد سبق حظر منظمات انفصالية غير مسلحة، وتم منع الإعلانات الحكومية عن صحف تؤيد الانفصاليين. وإلى الآن لا تعرف الغالبية العظمى من الكشميريين أن تغييرا سياسيا جذريا قد غيّر حياتهم تماما، وسلب منهم الاستقلال الذاتي الذى وعدته الهند لكشمير عندما انضمت إليها -رغم غالبيتها الإسلامية- سنة 1948.

وقد قال فاروق عبد الله –وهو كبير وزراء الولاية الأسبق ووزير مركزي سابق- إن الذى جرى يوم 5 أغسطس/آب/آب هو أسوا مما جرى في مارس/آذار 1846، حين باع الإنجليز إقليم كشمير لحليفهم غولاب سينغ لقاء 7.5 ملايين روبية؛ أي مقابل روبية واحدة لكل كشميري آنذاك!

وكما لم تتم استشارة الكشميريين في تحديد مصيرهم سنة 1846؛ لم يُسألوا عن رأيهم في 5 أغسطس/آب الماضي حين انتُزع منهم الاستقلال الذاتي في إطار الاتحاد الهندي، رغم أن الهند كانت قد قلصت الاستقلال الذاتي الكشميري إلى حد كبير عبر الحقب السبع الماضية، ولكن رغم ذلك بقيت ضمانات عديدة للكشميريين مثل عدم تنفيذ أي قانون هندي في الولاية إلا بعد موافقة مجلسها التشريعي، وحظر تملك غير الكشميريين الأراضي في الولاية، وعدم إعطاء تابعية الولاية إلا لسكانها الأصليين.

ويمكن فهم ردود فعل السياسيين الكشميريين الذين وقفوا مع الهند طويلا ضد الحركة الاتفصالية الكشميرية من أن كبيرة وزراء الولاية السابقة السيدة محبوبة مفتي قالت: "هذا الإجراء قد حوّل الهند إلى دولة احتلال في كشمير". وأضافت أن الحكومة الهندية تريد تغيير ديموغرافية كشمير وتحويل المسلمين إلى مواطنين من الدرجة الثانية. كما قال كبير وزراء الولاية الأسبق عمر عبد الله: "إنها خيانة تامة للأمانة. هذا القرار له تبعات بعيدة المدى وخطيرة. هذا عدوان على شعب الولاية".

 

دوافع وخلفيات


ويأتي هذا القرار تتويجا لسياسة العصا الغليظة التي اتبعتها الهند في كشمير منذ مجيء رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي إلى الحكم قبل خمس سنوات؛ فخلال هذه المدة امتنعت الهند عن أي محادثات مع الزعماء الانفصاليين، بل إنها دأبت على التضييق عليهم وعلى ذويهم وملاحقتهم وسجنهم بمختلف الحجج.

ويُعتقد أن السبب في اتخاذ الحكومة الهندية هذا القرار الآن هو ترديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرتين استعداده للوساطة بين الهند وباكستان لحل مشكلة كشمي،ر وكان ذلك عقب لقائه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في 22 يوليو/تموز الماضي. وهو ما أربك القادة الهنود الذين أعادوا تأكيد أنهم لا يقبلون بوجود أي طرف ثالث في النزاع الهندي الباكستاني.

ويمكن القول إن الهند أرادت -بهذا الإجراء المتخذ من جانب واحد- أن تضع الولايات المتحدة وباكستان أمام أمر واقع جديد، حيث إنها بهذا الإجراء أنهت القضية الكشميرية من وجهة نظرها. إلا أن الأمور قد لا تصب في نهاية الأمر في المجرى الذي تريده الهند. فقد انتقدت دول ومنظمات دولية كثيرة -منها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- الإجراء الهندي، وطالبت الهندَ بإعادة النظر في قرارها هذا اللادستوري.

وبما أن الدستور الهندي يقول إنه لا يمكن إلغاء أو تعديل المادة 370 من الدستور الهندي إلا بعد موافقة المجلس التتشريعي لولاية جامو وكشمير؛ فيمكن القول بأن الإجراء الهندي غير قانوني وغير دستوري. وبالفعل قُدّمت مرافعات إلى المحكمة العليا الدستورية طعنا في هذا الإجراء، إلا أن المحكمة العليا رفضت اعتبارها "قضية عاجلة". وهذه إشارة إلى أن القضية قد تبقى حبيسة أدراج المحكمة العليا لسنوات طويلة إلى أن تفقد جدواها.

وبينما أيد العديد من الأحزاب الهندية الحكومة في قرارها هذا؛ عارضته أحزاب أخرى. وقالت الأحزاب اليسارية إن هذا القرار سيخلق "فلسطين في كشمير". كما عارض زعماء مسلمي الهند بصورة عامة هذا القرار لأنهم يرون أنه يستهدفهم في نهاية الأمر، لأن إلغاء الولاية الوحيدة ذات الأغلبية الإسلامية في الهند يصب في أهداف الحركة الهندوسية الساعية إلى تهميش مسلمي الهند سياسيا واقتصاديا.

فقد ظلت الحركة الهندوسية -منذ انضمام كشمير للهند وإعطائها الاستقلال الذاتي- تطالب بدمج الولاية في الهند بصورة كاملة بإلغاء استقلالها الذاتي، مما سيتيح للحكومة تغيير ديموغرافية الولاية بإسكان الهندوس في مناطق محمية داخلها.

وقد عمّ الأوساطَ الهندوسية فرحٌ عظيم ووُزّعت الحلوى في مناطق الهندوس ومكاتبهم احتفالا بهذا الإنجاز الضخم، واعتبروها خطوة نحو إنشاء الدولة الهندوسية التي تكون فيها الأقليات -وخصوصا المسلمين والمسيحيين- مواطنين من الدرجة الثانية. وقام بعضهم بالتغريد بأنهم سيتزوجون من حسناوات كشمير الآن، ودعوا الآخرين لانتقاء من تروقهم منهن!

 

الموقف الباكستاني


أما رد الفعل الباكستاني فكان على الخطوط المتوقعة؛ إذ اعتبرت باكستان هذه الخطوة الهندية تغييرا من جانب واحد لوضع كشمير، رغم إعلانات الهند منذ بداية المشكلة أنها قضية بين الهند وباكستان، وأنهما ستحلانها بالمباحثات المشتركة بينهما.

وقد اتخذت باكستان خطوات عديدة لإجبار الهند على التراجع، ومنها سحب السفير الباكستاني من الهند وطرد السفير الهندي من باكستان، وإعلان الذهاب إلى الأمم المتحدة، وإيقاف التجارة مع الهند، وإغلاق عدة مسارات للطيران المدني المتجه من الهند وإليها عبر الأجواء الباكستانية، وتوقيف قطار الصداقة بين البلدين.

كما ألمح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى أن حوادث إرهابية كثيرة من نوع "بولواما" ستقع في كشمير، وهو الحادث الذي استغله رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي لصالحه في الانتخابات التي جرت قبل ثلاثة أشهر.

وهناك تكهنات بأن الأمور قد تصل -في نهاية الأمر- إلى اندلاع الحرب بين البلدين، حيث إن مثل هذا التطور من وجهة نظر باكستان سيضع المشكلة الكشميرية على الأجندة الدولية من جديد، وسيُجبر الهند على التنازل والتقهقر. وقد تلجأ باكستان إلى إلغاء "معاهدة سيملا" الموقعة بين البلدين سنة 1972 و"إعلان لاهور" لسنة 1999، بعد أن ظلّا يمثلان الإطار الناظم لعلاقاتهما في العقود الأخيرة.

ومن المتوقع أن يستمر حظر التجول الشامل في كشمير شهورا ثم يتم رفعه على مراحل، مع عودة انتشار الجيش الهندي في كل أنحاء وادي كشمير ومناطق أخرى بها أعداد كبيرة من المسلمين في جامو ولداخ. وقد بلغ معدل الجنود في كشمير الآن جنديا واحدا مقابل خمسة مواطنين، وهو أعلى معدل للجيش في المناطق المدنية بالعالم. وهناك أخبار من كشمير بأنه رغم حظر التجول المتشدد فقد وقعت عدة حوادث رُشق فيها الجنود الهنود بالحجارة.

وكانت الحركة الانفصالية المسلحة فد اندلعت في كشمير أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ولا تزال مستمرة إلى الآن رغم أن أعداد المسلحين قد هبطت إلى عدة مئات، بينما كانت تقدر بنحو أربعين ألف مسلح في أوج الحركة الانفصالية المسلحة أوائل التسعينيات. وقد قُتل منهم كثيرون واعتقل آخرون، وألقى بعضهم السلاح وانضموا إلى الأمن الهندي، بينما هرب بعضهم إلى كشمير الباكستانية.

ويقدّر أن نحو مئة ألف شخص ما بين مدني ومسلح وجندي راحوا ضحية الحركة الانفصالية المسلحة، واختفى نحو عشرة آلاف عن وجه الأرض، وهناك نحو عشرة آلاف من النساء لا يعرفن شيئا عن مصير أزواجهن، وتوجد قبور جماعية مجهولة بالمئات في أنحاء كشمير من ضحايا قوات الأمن.

ومن المتوقع الآن أن تنتعش مجددا الحركة الانفصالية الكشميرية المسلحة، بسبب الشعور بالغبن الكبير الذي سيعم الكشميريين والتأييد الباكستاني بعد تغير الأوضاع، حيث كانت باكستان -في ظل حكم عمران خان- قد بدأت تسحب تأييدها للحركة الكشميرية بسبب الضغوط الهندية والأميركية. ويُتوقع أن يؤيد بعض السياسيين الكشميريين -ممن كانوا يقفون مع الهند سابقا- الحركة الانفصالية في موجتها الجديدة.

 

* صحفي وباحث هندي



مقالات أخرى للكاتب

  • المسجد البابري بالهند.. ثغرات وتناقضات بالقرار وخيارات محدودة للمسلمين





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي